مقال مميزالحسون الذهبي.. طائر بديع يسير الصيد الجائر نحو جعله “أثرا بعد عين”

مقال مميز

21 نوفمبر

الحسون الذهبي.. طائر بديع يسير الصيد الجائر نحو جعله “أثرا بعد عين”

( بقلم: إبراهيم الجملي )

الرباط – لطالما اعتدنا الاستمتاع بمشاهدة مجموعة متنوعة من الطيور المغردة، بمختلف أحجامها وأشكالها وألوانها الزاهية، في الغابات والأحراش كما في الحدائق والمنتزهات الحضرية، والتي دأبت على كسر رتابة وضوضاء مدننا بعذوبة تغريدها وزقزقتها الشجية.

لكن وخلال السنوات الأخيرة، لم يعد هذا الأمر ممكنا مع اختفاء بعضها وتواري بعضها الآخر عن الأنظار، وفي مقدمتها طائر الحسون الذهبي أو كما يصطلح جل المغاربة على تسميته بـ “المقنين” أو “سطيلة”.

إنه بالفعل أحد أبرز أنواع الطيور المغردة التي أضحى شبح الانقراض يحوم حولها، بعد أن كانت تنتشر بأعداد كبيرة في مختلف مناطق المملكة، حتى بالحدائق العمومية التي طالما شكلت جزءا لا يتجزأ من بهائها وروعتها، لاسيما وأن هذا الطائر الأنيق يعد موروثا طبيعيا مهما يشكل إلى جانب أصناف نباتية وحيوانية أخرى مقومات الهوية الإيكولوجية للمغرب.

هكذا، وأنت تتجول في عدد من الأسواق الشعبية والنقاط المخصصة لبيع الطيور والحيوانات الأليفة، أضحى من اليسير معاينة أعداد كبيرة من طيور الحسون الذهبي بلونها الأحمر والأصفر والأسود والأبيض والبني الفاتح، وقد عرضت للبيع في صناديق خشبية أو داخل أقفاص تضم بضعة طيور أو حتى العشرات منها، والتي يعد أغلبها حصيلة الصيد الجائر الذي يكاد – حسب عدد من المهتمين بهذا المجال- أن يفتك بهذا الطائر ويجعل منه أثرا بعد عين.

وفي هذا السياق، يقول طارق، وهو شاب ثلاثيني من مدينة القنيطرة يتخذ من صيد الطيور بمختلف أنواعها والاتجار فيها أحد أهم موارد رزقه، إنه اعتاد منذ سنوات، اصطياد الكثير من أصناف الطيور المغردة التي تتخذ من المجالات الخضراء والغابات المحيطة بالمدن بيتا لها، وفي مقدمتها طائر الحسون الذهبي الذي كان يشكل في بدايات ممارسته لصيد الطيور أحد أهم غنائمه.

ويؤكد طارق في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن اصطياد طائر “المقنين” أو “سطيلة”، أضحى أمرا عسيرا بالأماكن التي كان في ما مضى يتواجد فيها بوفرة، لاسيما بالحزام الأخضر التابع لغابة المعمورة المحاذية لمدينة القنيطرة، والتي كان هذا الطائر يتخذ من أشجارها وشجيراتها وأحراشها موطنا له ومكانا آمنا لبناء أعشاشه وتكاثره.

ويضيف هذا الشاب المولع بعالم الطيور منذ صغره، أن العثور على طائر الحسون الذهبي أصبح يلزمه بذل مجهود مضاعف وتطوير أساليب صيده وشد الرحال إلى أماكن بعيدة، لاسيما بغابات شمال المملكة، قائلا “إن سعر الطائر الواحد أضحى يتجاوز الخمسين درهما وأعداد الباحثين عنه في ازدياد”.

وبالفعل، فإن جل ذوي الاختصاص والمهتمين بالحياة البرية أضحوا يدقون ناقوس الخطر، أكثر من أي وقت مضى، حول التراجع الفادح في أعداد طائر الحسون الذهبي خلال السنوات الأخيرة، لاسيما نتيجة الصيد الجائر والاتجار الغير مشروع الذي أصبح يتخذ من هذه الأصناف المهددة بالانقراض سلعة يتم تهريبها عبر الحدود.

فبعد أن كان الحسون الذهبي الذي ينتمي لعائلة الجواثم، يربى من طرف الشغوفين بعالم الطيور على نطاق محدود، أضحى في الوقت الراهن عملة نادرة في سوق الطيور المغردة، خاصة وأنه يستعمل في عمليات التهجين مع أصناف شبيهة من قبيل طائر الكناري المعروف بتغريده المميز.

وفي هذا الصدد، يقول الكاتب العام لمجموعة البحث من أجل حماية الطيور بالمغرب، السيد عبد الجبار قنينبة، إن وضعية طائر الحسون الذهبي بالمغرب أضحت “مقلقة للغاية”، بعد أن كانت تربيته في ما مضى محدودة النطاق، بل وتقتصر في كثير من الأحيان على فئة الحرفيين والصناع التقليديين الذين كانوا يستأنسون بتغريده العذب في ورشاتهم وأثناء مزاولتهم لمهنهم.

ويضيف السيد قنينبة، وهو أستاذ باحث بالمعهد العلمي التابع لجامعة محمد الخامس بالرباط، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن طائر “المقنين” كان في الماضي متواجدا بأعداد مهمة ضمن وسطه الطبيعي، بحيث كانت مشاهدته في البوادي والمجالات الغابوية كما في المدن والمنتزهات الحضرية أمرا مألوفا وطبيعيا، أما اليوم فإن مشاهدته أو سماع تغريده يكاد يكون أمرا مستحيلا أو نادرا إلى حد كبير.

وهنا، يؤكد الأستاذ الباحث أن الصيد العشوائي والاتجار العابر للحدود من بين الأسباب الرئيسية التي ستؤدي – إن استمر الحال على ما هو عليه- إلى القضاء على هذا الطائر المغرد واختفائه من وسطه الطبيعي بصفة كلية، كما هو حال العديد من الأصناف التي انقرضت أو أضحت مهددة بالانقراض بفعل مجموعة من العوامل.

وفي هذا الصدد، يضيف السيد قنينبة أن “الحسون الذهبي هو الطائر الأكثر تهديدا بشبح الانقراض في المغرب”، وذلك نظرا لاستهدافه بشكل غير مسبوق من طرف ممارسي الصيد الجائر، علما أن القانون المعمول به في هذا المضمار يجرم صيد والاتجار في جميع الأصناف النادرة والسائرة في طريق الانقراض، والذي تسعى مختلف السلطات المعنية إلى تفعيله، من خلال إحباط جميع عمليات التهريب والاتجار غير المشروع في هذا الطائر.

والواضح أن الصيد الجائر ليس هو العامل الوحيد المؤدي إلى تناقص أعداد طائر الحسون الذهبي، فتراجع المساحات الخضراء واندثار الأوساط الطبيعية واجتثات الغابات والاستعمال المكثف للمبيدات الكيماوية في الزراعة هي عوامل من بين أخرى تسير بهذا الطائر البديع نحو الاختفاء.

وهنا تجدر الإشارة إلى أن طائر الحسون الذهبي أضحى يصنف ضمن القائمة الحمراء المعتمدة من طرف الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة بعدد من بلدان جنوب القارة الأوروبية، وذلك نظرا لتناقص أعداده بشكل غير مسبوق في وسطه الطبيعي، بما يدل على أن خطر انقراض هذا الصنف من الطيور أضحى معطى إقليميا يتجاوز المملكة ليشمل بلدان الجوار أيضا.

ويرى الكثير من المهتمين بالشأن البيئي، أن تدارك الوقت الضائع لتفعيل المزيد من التدابير الكفيلة بوقف نزيف اندثار طائر الحسون الذهبي من وسطه الطبيعي لا يزال ممكنا، ذلك أن من حق الأجيال القادمة رؤية هذا الطائر الجميل والاستمتاع بتغريده كما شاهدته واستمتعت به الأجيال السابقة.

اقرأ أيضا