أخبارهل تصبح جبال الألب أكثر خطورة بسبب التغير المناخي؟

أخبار

réserve naturelle
20 أكتوبر

هل تصبح جبال الألب أكثر خطورة بسبب التغير المناخي؟

–سهام توفيقي–

روما – يهدد ارتفاع درجات الحرارة، نتيجة للاحتباس الحراري، بحدوث كارثة بيئية في إيطاليا بسبب خطر انهيار كتلة جليدية ضخمة من جبل مون بلان، الذي يعدّ الأعلى في سلسلة جبال الألب في غرب أوروبا ، إذ يضمّ إحدى عشرة قمة مهددة بالتفكك والانهيار، ويبلغ ارتفاع كل واحدة منها 4000 متر .

وبحسب خبراء مختصون في أبحاث الجليد والانهيارات الجليدية فإنه “لا ينبغي النظر إلى الجبال العالية على أنها كتل متماسكة، بل هي غالبا ما تكون عبارة عن كتل صخرية يرصها الجليد على بعضها، فإذا ذاب الجليد تتعرض للاضطراب”. كما أن “ذوبان الجليد المتراكم منذ قرون يؤدي بشكل كبير إلى الانهيارات الصخرية المميتة أحيانا” .

ويحذر الخبراء من أن الارتفاع المفاجئ الذي تشهده درجات الحرارة في بلدة أوستا بجبال الألب ، وهي منتجع سياحي بشمال غرب إيطاليا قرب الحدود الفرنسية ، قد يؤدي إلى إنزلاق كتلة جليدية ضخمة يبلغ حجمها نصف مليون متر مكعب باتجاه سفوح جبل مون بلان، مما يهدد المنازل الواقعة شرق البلدة السياحية ومنتجعها المشهور برياضة التزلج.

وبالفعل، أدى تسارع ذوبان الجليد ، بوتيرة غير مألوفة ، إلى وضع بلدة أوستا ومدينة كورمايور الواقعتين في شمال غرب إيطاليا ، في حالة تأهب قصوى خلال شهر غشت الجاري نظراً إلى أن كتلة جليدية ضخمة ، على طول الجهة الإيطالية من جبل مون بلان يقدر حجمها بحوالى 500 ألف متر مكعب، أوشكت على الانهيار ، وتشكّل تهديدا للسكان في جبال الألب المجاورة لها .

وقد دفع هذا الخطر السلطات المحلية إلى إجلاء 75 شخصا من السكان المحليين و السياح كإجراء احترازي “عاجل وضروري” ، حسب المسؤولين المحليين .كما تم إغلاق الطرق المؤدية إلى وادي فيريت الذي يعدّ مكانا مفضلا للسيّاح والمصطافين.

وأوضح مسؤول إدارة الكوارث الطبيعية في بلدة أوستا، فاليريو سيغور، أن إنهيار الكتلة جليدية من قمّة مون بلان ، التي ترتفع 4810 متراً عن سطح البحر عند الحدود الفاصلة بين فرنسا وإيطاليا، من شأنه أن يخلف “خسائر جسيمة” .

وبالفعل، غادر السياح منطقة أوستا المهددة بخطر الانهيار وهم يشعرون بالمرارة والخيبة ، حسب صحيفة “لاستامبا” الإيطالية، التي سجلت أن منظمي الرحلات السياحية ، الذين اضطروا إلى وقف أنشطتهم لمدة شهر ، يشعرون بالغضب بعد قرار السلطات المحلية إغلاق الفنادق والمطاعم .

ولم يخف صاحب أحد الفنادق غضبه ازاء قرار الإغلاق ، وأكد أن” الموسم السياحي كان لا بأس به على الرغم من توقعات سلبية لما بعد كوونا “، مضيفا ” لقد استقبلنا الكثير من السياح ، أما الآن فيتعين علينا إرسال 25 عاملا إلى بيوتهم وإلغاء الحجوزات . وإذا لم يتم إيجاد حلول لذوبان الجليد في الأيام المقبلة فإن الوضع سيكون كارثيا من الناحيتين البيئية والاقتصادية ، لأن سكان المنطقة يكسبون لقمة عيشهم من السياحة وحدها ” .

كما رفض بعض السكان المحليين الإغلاق، قائلين إنه أثر بشكل كبير على موسم السياحة الذي تضرر أصلا بسبب تداعيات فيروس كورونا المستجد.

وخلافا لاستياء السكان و السياح والفاعلين الاقتصاديين، دافع الباحث في جامعة سافوي مونت بلانك ، لودوفيتش رافانيل ، الذي يدرس علوم الأنهار الجليدية والانهيارات في جبال الألب، عن قرار إخلاء المنطقة قائلا ” لا يمكن ترك الناس عرضة لخطر الانهيار الجليدي الذي يهدد حياتهم”.

ويرى هذا الباحث أن نقل الناس من مسار سقوط جليدي محتمل ، خاصة مع الارتفاع المتوقع لدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة ، هو أمر “بالغ الأهمية”.

وقال مدير إدارة الأخطار الطبيعية في بلدة أوستا ، فالي فاليريو سيغور ، إن الوضع “حساس بشكل خاص” لأن الحرارة “تؤثر في مستوى المياه بين الجليد والصخور وبالتالي تزعزع استقرار الصفيحة الجليدية”.

ويشير الباحث إلى أن ذوبان الجليد لا يزال يسبب سلسلة من المضاعفات البيئية ، لذلك من الضروري التدخل طالما أن الوضع يمكن التحكم فيه ، مؤكدا أن ذوبان الأنهار الجليدية يسبب أنواعًا مختلفة من العواقب وغالبًا ما يمثل خطرًا على الوديان المجاورة.

ودفع هذا التحذير برئيس الوزراء الإيطالي ، جوزيبي كونتي ، إلى الحديث عن المخاطر المتزايدة التي تطرحها الأزمة المناخية، خلال الخطاب الذي ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقال إن خطر وقوع انهيار جليدي في مون بلان “إنذار لا يمكن التعامل معه بلا مبالاة ، بل يجب أن يهزّنا جميعاً ويدفعنا إلى التحرك”.

القماش المشمع.. طريقة مبتكرة لحماية الجليد

وفي إطار الجهود المبذولة لحماية الجليد من الذوبان بفعل ارتفاع درجات الحرارة ، قام خبراء بتغطية سفح جبل مون بلان بقطعة من القماش المشمع الضخم ، وهو ما جعله يبدو كعمل من أعمال الفنان الراحل كريستو جافاشيف الذي كان يلف معالم شهيرة بالقماش.

وفي هذا السياق ، قال دافيد بانيزا، رئيس شركة “كاروسيلوتونالي” التي تتولى القيام بهذا المشروع ، إن جليد جبل مون بلان ” يتقلص باستمرار، لذلك نحاول تغطية أكبر قدر ممكن منه”. وأوضح أن الأغطية مكونة من القماش المشمع الذي يعكس ضوء الشمس ويحافظ على درجة حرارة أقل من درجة الحرارة الخارجية، وبالتالي يحافظ على أكبر قدر ممكن من الجليد.

وأشار إلى أنه في بداية المشروع ، عام 2008 ، تم تغطية حوالي 30،000 متر مربع من الجليد، واليوم يقوم فريقه بتغطية 100،000 متر مربع من جليد جبل مون بلان .

وتسبب تغير المناخ في ذوبان الأنهار الجليدية في العالم بشكل متزايد ما مثّل خطرا جديدا على بلدة أوستا الإيطالية.

وينتشر في كل أنحاء جبال الألب أكثر من أربعة آلاف نهر جليدي، وتتوافر احتياطات جليدية كبيرة، ما يؤمّن المياه الموسمية للملايين من الأشخاص ويشكل بعض المناظر الطبيعية الأكثر روعة في أوروبا ، لكن هذه الاحتياطات الجليدية تتعرض لتهديد شديد جراء ظاهرة تغير المناخ.

ودفعت تحذيرات الباحثين والعلماء من مخاطر بيئية جسيمة ، السلطات المحلية إلى اعتماد إجراءات لمراقبة جبل مون بلان بشكل دائم .

وكان القسم الإيطالي من جبال الألب واجه أيضًا خطر انهيار جزئي بين شتنبر وأكتوبر 2019، على كتلة جليد يقدر حجمها بحوالي 250 ألف متر .

ذوبان قياسي للجليد

وحذر الخبراء من أنه على مدار العقدين الماضيين، بدأ الجليد يذوب بمعدلات لم تسجل منذ قرون ، أو حتى آلاف السنين، ومن المرجح أن تؤدي إلى تفاقم الارتفاع المقلق لمستوى سطح البحر.

كما يرسم الخبراء صورة قاتمة للغاية عن تغير المناخ العالمي وتأثيراته المباشرة على معدل ذوبان الجليد .

وقالت سارة داس، وهي باحثة بمعهد وودز هول لعلوم المحيطات ، وشاركت في إنجاز تقرير علمي بهذا الخصوص ، إن “معدل ذوبان الجليد غير مسبوق ولا يمكن مقارنته بالماضي”، وأن “الجليد اليوم يذوب بنسبة 50 في المئة أسرع من فترة ما قبل التصنيع ، و 33 في المئة أسرع مما كان عليه في القرن العشرين”.

ويعتبر ذوبان الجليد السبب الرئيسي لارتفاع مستويات المياه . ويتوقع الباحثون حدوث فيضانات كبيرة خلال العقدين القادمين في المدن الساحلية عبر العالم.

وتقع ثماني من أكبر عشر مدن في العالم على الساحل. وفي الوقت نفسه ، يعيش ما بين 40 و 50 في المئة من سكان العالم في المناطق الساحلية المعرضة للفيضانات.

وفي الوقت الذي يقبل معظم الناس فكرة كون الإنسان هو المسؤول عن تغير المناخ ، يشعر الباحثون وخبراء في قضايا البيئة بالإحباط لأن العالم ، في رأيهم ، لا يقوم بما يكفي للتخفيف من حدة المشكلة .

اقرأ أيضا