السيارات الكهربائية بمصر… خطوة نحو تنقل حضري مستدام
( إعداد ..أحمد الكرمالي)
القاهرة – أطلقت مصر، مؤخرا، مبادرة ذات حمولة بيئية تتوخى استعمال سيارات ومركبات كهربائية نظيفة صديقة للبيئة ستكون بديلا للمركبات العادية التي تسهم في الارتفاع القياسي لحجم التلوث في مختلف محافظات البلاد وخاصة المدن الكبرى.
ويأتي انخراط الحكومة المصرية في مبادرة النقل النظيف عبر استعمال واستخدام هذا النوع من السيارات، في إطار مواكبة التوجهات العالمية الحالية للتحول نحو السيارات الكهربائية التى تساهم في خفض الانبعاثات الغازية وتقليل الاعتماد على المحروقات كمصادر للطاقة.
وتسعى مصر من خلال هذه الخطوة التي تأتي كجزء من جهودها للحد من الانبعاثات الغازية، إلى تطوير تنقل حضري مستدام ونظيف يعتمد على الطاقات المتجددة وحلول مبتكرة تتيح الحفاظ على الهواء النقي.
وبحسب مسؤولين وفاعلين اقتصاديين، فإن مصر أبدت اهتماما كبيرا باستعمال السيارات الكهربائية النظيفة وتصنيعها في البلاد بالنظر للتطور الهام والمتنامي للتنقل الكهربائي على المستوى العالمي بغاية تعزيز معايير المحافظة على البيئة عبر خفض نسبة التلوث.
ويرى هؤلاء أن السيارات الكهربائية باتت أمرا واقعا وستكون البديل الوحيد للبنزين الذي تواصل فاتورته الارتفاع مع ما يسببه من تأثير على الصحة عبر تلوث الهواء، مؤكدين على ضرورة تطوير تنقل أخضر يعتمد على الطاقات المتجددة وحلول مستدامة تتيح الحفاظ على جودة الهواء بمختلف المدن المصرية.
ولتفعيل هذه المبادرة التي عرفت طريقها نحو التطبيق في مصر السنة الماضية من خلال استقبال أول سيارات كهربائية من نوع “بي إم دوبل في ” (إي 3) ، وضعت السلطات المصرية تدابير تروم تحديث منظومة النقل الحضري والشبه الحضري بوسائل نقل حديثة وصديقة للبيئة من خلال تشجيع استخدام حافلات وسيارات كهربائية، وتحفيز المصريين على استعمالها.
ومن أهم هذه التدابير مشروع توطين صناعة السيارات الكهربائية بالنظر لما قد يترتب عن هذه المبادرة من ارتفاع حجم الطلب على هذه المركبات، وذلك من خلال تشجيع الإنتاج والتصنيع ودعم الاستثمار فى هذا المجال ليس فقط بهدف تغطية السوق المحلي، وإنما أيضا الولوج للأسواق العربية والأوروبية.
وفي هذا السياق، أكد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، في اجتماع خصص لمتابعة استراتيجية الحكومة لتوطين صناعة السيارات والحافلات الكهربائية ، أن السيارات الكهربائية تعد مستقبل الصناعة على المستوى العالمي، مشيرا إلى أن الحكومة تسعى إلى تدشين تعاون مع الشركات العالمية العاملة في المجال بغرض توطين هذه الصناعة في البلاد، والاستفادة من أحدث التكنولوجيات حتى تتحول مصر إلى مركز إقليمي لصناعة السيارات الكهربائية وتصديرها إلى الدول العربية والأفريقية”.
وأضاف مدبولي، أن اهتمام الدولة بتصنيع السيارات الكهربائية يعزى إلى العائد الاقتصادي لاستخدام الكهرباء كبديل للوقود التقليدي، والى العائد البيئي المتمثل في تقليل الانبعاثات الكربونية التي تنتج عن استخدام البنزين، في ظل دعم الموازنة العامة للدولة للمنتجات البترولية في العام المالي الحالي 2018-2019 بنحو 89 مليار جنيه (واحد دولار يساوي حوالي 16.23 جنيه).
واختارت مصر توطين صناعة السيارات الكهربائية عبر بوابة الصين، من خلال عقد اتفاقيات شراكة مع شركات صينية.
ولهذه الغاية، وقعت الحكومة المصرية في أبريل الماضي بالعاصمة الصينية بكين، على هامش الدورة الثانية لمنتدى الحزام والطريق، اتفاقية شراكة مع شركات صينية للتصنيع المشترك للسيارات الكهربائية في مصر.
واعتبر وزير الإنتاج الحربي محمد العصار، في تصريحات صحفية، أن الاتفاقية الموقعة مع الصين تتضمن برنامج للتصنيع المشترك لنحو 2000 حافلة للنقل خلال 4 سنوات على أن تتبعه مراحل قادمة لتصنيع أنواع أخرى من السيارات الكهربائية، مشيرا إلى أنه سيتم تصنيع كافة مكونات المركبات داخل مصر باستثناء البطاريات والمحركات الكهربائية.
من جهتهم، أكد فاعلون اقتصاديون، على أهمية تشجيع استخدام السيارات الكهربائية وتعزيز حظيرة السيارات الصديقة للبيئة تماشيا مع سعي الحكومة إلى تطوير القطاع خلال السنوات القليلة المقبلة، ما سيعمل على خفض تكلفتها وتحسين أدائها مستقبلا.
وفي هذا الصدد، يقول عبد المنعم القاضي، نائب رئيس غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات بمصر، في تصريحات صحفية، إن الدولة بدأت بالفعل في تفعيل استعمال سيارات كهربائية لتكون بديلا للسيارات التى تعمل بالوقود، كخطوة جيدة للحفاظ على البيئة من خلال خفض نسبة التلوث وترشيد التكلفة التي تتحملها الدولة مقابل دعم المنتجات البترولية.
أما حسن دسوقي رئيس شركة متخصصة في تسويق تكنولوجيا السيارات الكهربائية ومكوناتها، فأكد في تصريحات مماثلة، أن شركته تسعى للوصول بنسب المكون المحلي في السيارات الكهربائية إلى 70 بالمائة بحلول عام 2022، مشيرا إلى أن الخطوة الأولى لتحقيق ذلك كانت من خلال تدشين خط تجميع شواحن البطاريات بالشركة.
وأضاف أن الشركة، وفي إطار تعميق تواجد تكنولوجيا السيارات النظيفة الكهربائية في السوق المصري، عقدت اتفاقية تعاون مع شركة لصناعة السيارات، لإنجاز أول مصنع لتجميع شواحن السيارات الكهربائية في مصر بتكنولوجيا صينية، وبطاقة إنتاجية تصل إلى 2000 شاحن سنويا، كما عقدت في غشت الماضي، اتفاقية مع شركة صينية لتصنيع بطاريات السيارات الكهربائية محليا بطاقة إنتاجية تصل إلى 2000 وحدة سنويا.
موازاة مع ذلك، قررت الحكومة المصرية إعفاء هذا النوع من السيارات من الرسوم الجمركية، خاصة بعد صدور قرار جمهوري بالسماح باستيراد هذه المركبات دون رسوم مما سيسهم في تشجيع المستهلك المصري على استخدام سيارات كهربائية للحد من استهلاك الطاقة والحفاظ على البيئة.
وبحسب وزارة البيئة، فإن 30 بالمائة من تلوث الهواء في القاهرة يرجع إلى انبعاثات عوادم السيارات.
وكان تقرير للبنك الدولي صدر في أكتوبر المنصرم ، أكد أن مصر نجحت في تخفيض معدلات التلوث بالقاهرة التي تشكل مصدرا ل40 بالمائة من انبعاثات الغازات الدفيئة بالبلاد، بعد تنفيذها لبرنامج تجميع المركبات القديمة وإعادة تدويرها، والرامي إلى الحد من تلوث الهواء عبر تقليص الانبعاثات الغازية الضارة التي تطلقها بالخصوص، سيارات الأجرة القديمة التي يزيد عمرها في بعض الأحيان على 40 عاما.
وأشار التقرير إلى أنه تم في إطار هذا البرنامج تجميع 45 ألف سيارة أجرة لإعادة تدويرها، مما نتج عن ذلك انخفاض في انبعاثات الغازات الدفيئة بنحو 310 آلاف طن من ثاني أكسيد الكربون خلال الفترة من 2013 إلى 2017 .
كما توقع التقرير بأن يصل هذا الانخفاض عند متم السنة الماضية إلى 350 ألف طن.
لذلك، تؤكد تقارير اقتصادية دولية، أن اعتماد سيارات كهربائية صديقة للبيئة في تزايد مستمر في دول العالم نتيجة انخفاض تكلفة صناعتها، متوقعة أن هذا القطاع سيستحوذ على ما يعادل ثلث الأسطول العالمي من السيارات بحلول عام 2040، وهو ما يعادل أكثر من 58 في المائة من جميع المركبات على كوكب الأرض، كما سيؤدي ذلك إلى التخلي عن 13 مليون برميل يوميا من إنتاج النفط.