الثروة المائية.. مشروع سد النهضة الضخم مفخرة ومبعث أمل للإثيوبيين
(عبد الواحد لبريم)
أديس أبابا – ترى اثيوبيا، التي توصف بأنها القوة الصاعدة لأفريقيا، أن سد النهضة وسيلة لإنارة عشرات الملايين من المنازل الحضرية والريفية ودعم تنميتها الاقتصادية، التي تعتمد حاليا على صادراتها من البن والذهب.
وستمكن محطتا توليد الكهرباء في سد النهضة، المجهزتان لتوليد 6450 ميغاوات (6.45 غيغاوات)، أي ثلاثة أضعاف إنتاج سد أسوان، من تلبية جميع الاحتياجات الوطنية.
وخلال موسم الأمطار ستتاح لإثيوبيا الفرصة لبيع الكهرباء الزائدة (المقدرة بـ 2000 ميغاواط) إلى البلدان المجاورة مثل السودان وجيبوتي. وينتظر أن تصبح البلاد أكبر مصدر للطاقة في إفريقيا عندما سيعمل السد بكامل طاقته.
+جدل حول النفعية الفعلية للسد بالنظر لضخامته+
منذ إطلاق المشروع في عام 2011، انهالت الانتقادات حول الحجم الزائد للسد. وعلى عكس الممارسات المعتادة، تم تحديد حجم المنشأة بالنسبة إلى ذروة صبيب النهر (خلال موسم الأمطار)، وليس بالنسبة لمتوسط الصبيب.
وفعليا، هذا يعني أنه من المستحيل أن ينتج السد 6450 ميغاواط لأكثر من 3 أشهر في السنة وأن أكثر من نصف التوربينات المستخدمة لتوليد الكهرباء نادرا ما تستخدم. وبالتالي، يفترض أن يكون الإنتاج الفعلي للكهرباء مقسوما على الإنتاج المحتمل إذا كان السد بكامل طاقته بشكل دائم، حوالي 30 في المائة مقارنة بـ 45 إلى 60 في المائة بالنسبة لمحطات الطاقة الكهرومائية الصغيرة الأخرى في إثيوبيا.
لذلك خلص المنتقدون إلى أن سدا أصغر كان سيكون أكثر ربحية … وكان سيحدث تأثيرًا أقل بكثير في دول المصب. خلال الدراسة الأولية التي أجرتها الولايات المتحدة، كان حجم الخزان المخطط له 11 مليار متر مكعب من المياه مقابل 74 مليار متر مكعب في المشروع الحالي.
ونظرًا لأن النيل الأزرق هو نهر يتغير تدفقه بشكل كبير خلال العام، فقد كان من المفترض أن يقلل السد أيضًا من الفيضانات في اتجاه مجرى النهر، أي في السودان وعلى امتداد 15 كلم في إثيوبيا.
لقد تم تحديد حجم السد في الواقع من أجل تدبير أقصى صبيب يبلغ 38500 متر مكعب/ ثانية، وهو ما يعادل حدوث فيضان أقل من مرة واحدة كل 10000 عام. وأخيرا، سيسهل الحجم الهائل للمياه المخزنة في الخزان ري ما يقرب من 500000 هكتار من الأراضي الزراعية الجديدة.
وإذا أضفنا إلى هذا حقيقة أن السد قد خلق بالفعل ما يصل إلى 12000 فرصة عمل خلال مرحلة البناء وتم تمويله ذاتيا إلى حد كبير من قبل الدولة والمواطنين، فإن الإثيوبيين يرون في هذا المشروع علامة على الحداثة والأمل والحد من الفقر والتنمية والعزة الوطنية.
+ سد النهضة وحالة التوتر بين إثيوبيا ودولتي المصب +
ومع ذلك، فإن بناء هذا السد الضخم وملؤه من جانب واحد، خلق توترات مع الدول الواقعة في اتجاه المصب (السودان ومصر)، والتي لا تشترك، الى غاية الآن، مع إثيوبيا في نفس المقاربة للبحث عن طريقة عمل لحل مشكلة تقاسم مياه النيل الأزرق.
وإذا كانت أديس أبابا ترى أن سد النهضة العظيم ضروري لتطورها الاقتصادي ولمد ساكنتها بالكهرباء، فإن الخرطوم والقاهرة تخشيان من أن يقيد أكبر سد لتوليد الطاقة الكهرومائية في إفريقيا وصولهما إلى المياه.
وتعتبر السودان ومصر أنه ”من المهم التوصل إلى اتفاق يضمن حقوق ومصالح الدول الثلاث وفقا للاتفاقية المبدئية التي وقعتها في مارس 2015″، كما تصران على أنه ”يتعين على البلدان الثلاث الالتزام باتفاق يتضمن آلية لحل النزاعات التي يمكن أن تندلع بينها”.
والى غاية الآن ما تزال أديس أبابا ترفض هذا التوجه، على اعتبار أنها المالكة لهذا السد الذي بدأ بناؤه عام 2011.
ويعتبر الباحث في العلوم السياسية الإثيوبي محمد العروسي، في هذا الصدد، أن سد النهضة «مشروع وجودي لكل الإثيوبيين»، وأنه «من أعظم المشاريع التنموية لإثيوبيا، استثمر فيه الشعب الإثيوبي بأجمعه، وتوحدت إزاءه آراء الشعب والقادة»، باعتباره يروم الاستجابة لتطلعات هذا الشعب.
+ تشغيل السد أمر «سيادي» وإثيوبيا في حاجة للكهرباء (باحث إثيوبي)+
ولفت الى أن البيانات الرسمية أظهرت أن أكثر من 70 مليون شخص في البلاد يعيشون بدون كهرباء بسبب نقص الطاقة، ما «يجعل حاجة إثيوبيا للطاقة الكهربائية ضرورة قصوى».
وأكد الباحث أنه على عكس النظريات التي طرحتها مصر والسودان، فإن سد النهضة لن يستغل سوى فوائض الموارد المائية، مشددا على أنه «مصدر للأمن والسلم» وأن الأطراف الأخرى «تعرف ذلك»، ومضيفا أن بلاده تحرص على أن تتوصل الأطراف المتنازعة إلى اتفاق يحفظ مصالح الجميع.
وأكد أن «العملية التشغيلية شأن سيادي»، وأنه «إذا كانت القاهرة تريد إدارة سد النهضة مع الجانب الإثيوبي، فسأقول، وفقا لنفس المنطق، نريد إدارة السد العالي في مصر».
وعلى صعيد آخر، أكد العروسي أن بلاده تعول كثيرا على المفاوضات الجارية بين الأطراف المعنية للتوصل إلى اتفاق يصون مصالح الجميع.
وسجل الباحث السياسي الإثيوبي أن المراقبين والمحللين ببلده، وهو أحدهم، يعولون كثيرا على هذا الأمر، كما يعولون على جهود الاتحاد الإفريقي، مسجلا أن كل الجهود التي تبذل تحت الرعاية الإفريقية هي موضع تقدير الجميع.
وقال إنه يتوقع «سيناريوهات سلام وأخوة مع الشعب المصري»، مشددا على أن بلاده «لن تلحق الأذى بأي كان بسد النهضة».