تدبير المياه.. الحلول المعتمدة على الطبيعة، عنصر أساسي للحفاظ على مورد طبيعي محدود
بإمكانياتها الواعدة وتنوعها الثري، تشكل الحلول المعتمدة على الطبيعة لإدارة المياه عنصرا أساسيا للحفاظ على هذا المورد المحدود- الرباط.
هذه الحلول المستوحاة من الطبيعة، تتوافق مع النمو الأخضر، الذي يدعو إلى الاستغلال المستدام للموارد الطبيعية وتسخير الطبيعة لدعم الاقتصاديات، لتشمل عدة مجالات، من قبيل تحسين الصحة البشرية، وسبل العيش، والنمو الاقتصادي المستدام، والوظائف اللائقة، وإصلاح النظم الإيكولوجية وصيانة التنوع الإحيائي وحمايته.
على الصعيد الوطني، تكتسي إشكالية المياه أهمية خاصة وتحتل مكانة بارزة في السياسات العمومية للمملكة، إذ نهج المغرب، ومنذ فترة طويلة سياسة ديناميكية مكنت البلاد من التوفر على بنية تحتية مائية ضخمة تتكون من 139 سدا كبيرا، يبلغ إجمالي طاقتها أكثر من 17 مليار متر مكعب وعدة آبار من أجل التنقيب عن المياه الجوفية، كل هذا ساعد على تحسين الولوج إلى المياه الصالحة للشرب، وتلبية احتياجات الصناعة والسياحة، وتطوير نظام ري واسع النطاق.
غير أن قطاع المياه في المغرب يواجه عدة تحديات، راجعة بالأخص إلى ندرة الموارد المائية وتفاقم الظواهر المناخية الشديدة (الفيضانات والجفاف)، تحت تأثير تغير المناخ، وكذا إلى عدم كفاية الموارد مع الاحتياجات المتزايدة باستمرار من المياه.
وإدراكا منه لأهمية إشكالية المياه، التي تمثل مصدر قلق لكافة بلدان العالم، شارك المغرب بشكل مكثف في المنتدى العالمي للماء في برازيليا، بحضور وفد رفيع المستوى ترأسه السيد سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة.
وبهذه المناسبة، سلط السيد العثماني الضوء على مختلف الإجراءات التي اتخذتها المملكة في مجال إدارة المياه، لا سيما من خلال بلورة المخطط الوطني للماء، الذي يسطر المعالم الكبرى للسياسة المائية إلى غاية 2050، وذلك من أجل تثمين المكتسبات وتدارك بعض جوانب القصور، وابتكار طرق جديدة في إنتاج وتدبير الموارد المائية، دون إغفال العناصر المرتبطة بآليات التمويل والتتبع.
وفي تقرير للأمم المتحدة العالمي عن تنمية الموارد المائية لعام 2018، بعنوان “الحلول المرتكزة على الطبيعة لدعم الموارد المائية”، الذي قدمته المديرة العامة لليونسكو، أودري أزولاي مع رئيس لجنة الأمم المتحدة المعنية بالموارد المائية، غيلبير انغبو، بمناسبة عقد المنتدى العالمي للمياه في برازيليا (البرازيل)، إلى توفير حلول تقوم على الطبيعة من أجل تحسين إمدادات وجودة المياه والحد من أثر الكوارث الطبيعية، حيث طرح التقرير سؤال” ماذا لو لم تكن السدود، وقنوات الري ومحطات معالجة المياه هي الأدوات الوحيدة في إدارة المياه؟”
وفي هذا الصدد، أشارت السيدة أزولاي إلى أن العالم يحتاج اليوم إلى حلول جديدة لإدارة الموارد المائية، من أجل التعويض عن التحديات الناشئة المتعلقة بالأمن المائي، التي يطرحها النمو السكاني وتغير المناخ، مضيفة أنه بحلول سنة 2050، يرتقب أن يعيش حوالي خمسة مليارات نسمة في مناطق تفتقر إلى المياه إذا لم نفعل شيئا.
من جهته، أشار السيد أنغبو، وهو أيضا رئيس الصندوق الدولي للتنمية الزراعية، في مقدمة التقرير، إلى أن العالم اتجه أولا، خلال فترة طويلة، نحو البنى الأساسية التي أنشأها الإنسان، والتي توصف بكونها “رمادية”، وذلك لتحسين إدارة المياه. وبذلك، تجاهل المعارف التقليدية للشعوب الأصلية التي تتبع نهوجا قائمة على الطبيعة، مضيفا أن الوقت حان، وبعد ثلاث سنوات من اعتماد خطة التنمية المستدامة لعام 2030، لإعادة النظر في الحلول القائمة على الطبيعة من أجل تحقيق أهداف إدارة المياه”.
وذكر التقرير أنه يجب الاستناد إلى “الهندسة البيئية”، حيث ترتكز البنى الأساسية “الخضراء”، وعكس البنى الأساسية “الرمادية”، على الهندسة الإيكولوجية، وذلك من خلال الحفاظ على الدور الذي تضطلع به النظم الإيكولوجية، بدلا من الاعتماد على الهندسة المدنية لتحسين حالة الموارد المائية.
وتتعدد التطبيقات في المجال الزراعي، وهو الأكثر كثافة من حيث استهلاك المياه، التي من شأنها تخفيف الضغط على الأراضي، والحد من التلوث، وتقليل تآكل التربة أو الحاجة إلى المياه، خاصة عن طريق تطوير نظم بديلة للري، تتسم بمزيد من الفعالية والكفاءة.
ويشكل تخليد اليوم العالمي للمياه، سنويا في 22 مارس، وسيلة لجذب الانتباه إلى أهمية الحفاظ على المياه العذبة والدعوة إلى تدبيرها بشكل مستدام. كما يشكل فرصة لرفع الوعي بالقضايا المرتبطة بالمياه، والحث على اتخاذات مبادرات ملموسة.
يذكر أن الاحتفال باليوم العالمي للمياه يأتي تنفيذا لتوصيات مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالبيئة والتنمية المنعقد سنة 1992، الذي أوصى بفعالية عالمية للمياه، لتحدد الجمعية العامة للأمم المتحدة تاريخ 22 مارس 1993 كأول يوم عالمي للمياه، وأصبح تقليدا يتم الاحتفاء به سنويا.