متحف حضارة الماء بمراكش .. سفر عبر الزمن في سجل التراث المائي للمغرب
مراكش – بهندسته الغنية والرسالة التي ينقلها “الإنسان والماء بالمغرب .. عبقرية وتقليد متجددين”، يدعو متحف محمد السادس لحضارة الماء بمراكش زواره إلى سفر عبر الزمن في سجل التراث المائي للمملكة ومختلف تحدياته منذ فترة المرابطين إلى غاية الإنجازات الكبرى المعاصرة في الميدان.
وشيدت هذه البنية المتحفية، التي دشنها صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن في يناير 2017، لعرض تاريخ وحضارة الماء بالمغرب، وتسليط الضوء على السياسة المائية بالمملكة والعبقرية المغربية في تدبير هذه الثروة.
وأحدث هذا المتحف، المنجز من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية، لغاية إظهار الأبعاد الروحية للماء والتعبير عن مشاعر الإكبار لمنجزات جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه في ميدان الماء، وعن مشاعر الافتخار بسياسة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في مجال الماء، وإظهار استعمالات هذه المادة الحيوية في جانبي النظافة والطهارة وبعض الاستعمالات الاقتصادية والتقنية التقليدية للماء.
ويعنى هذا المتحف، المشيد على مساحة اجمالية بلغت 20 ألف متر مربع بغلاف مالي اجمالي يصل إلى 163 مليون درهم، بترسيخ الوعي بقيمة الماء وتغيير نظرة الناس إليه، وكيفية التعامل معه، وإدراك قيمته النابعة من عراقة أساليب جلبه وتسييره وتوزيعه بالمدن العتيقة، وكذا بالبوادي، عبر تقنيات بالغة في الدقة والتنظيم المحكم على مدى تاريخ طويل من حضارة المغرب.
ويتوفر المتحف على فضاء للعروض الدائمة بثلاثة مستويات، وآخر للعروض المؤقتة، بالإضافة إلى جناح تربوي يتضمن قاعات للتكوين والإعلاميات، وجناح إداري ومرافق أخرى، إلى جانب عرصة موضوعاتية خاصة بالماء على امتداد ثلاث هكتارات، فضلا عن استنساخات حية للتراث المائي التقليدي (السواقي، المطفيات، والنافورات، ورحى الماء، موزع المياه والناعورة)، وفضاءات لاستعراض أفضل الممارسات الايكولوجية الجيدة للماء ومنصة للعروض الفنية والموسيقية في الهواء الطلق.
وبالساحة الأمامية للمتحف، توجد عدد من الأجهزة والنماذج الهيدروليكية التي تبرز مختلف جوانب العبقرية المغربية في تدبير الماء من قبيل “ناعورة فاس” لتجديد المياه، و”مطحنة وريكان” ونموذج لخطارة ما زالت توظف إلى الآن في مضايق تودغا لالتقاط الماء دون استنزاف الفرشة المائية الباطنية.
وتمت تهيئة فضاء العرض الدائم بالمتحف على ثلاثة طوابق، حيث يمر الزائر من طابق لآخر في جولة تشمل عددا من فضاءات العرض، ويتوسط كل طابق فضاء كبيرا للعرض السمعي البصري، إلى جانب طابق مخصص للرهانات الكبرى ومعطيات حول الماء بالمغرب، وآخر مخصص للفضاءات الجهوية وثقافتها المائية.
ويواصل الزائر مساره بالدور السفلي لاستكشاف مياه الحوز ومراكش، وتأمل التقنيات والثقافات الحضرية، قبل استكمال الجولة بالتحولات الكبرى في هذا الميدان خلال القرن 20 والتحديات الكبرى للقرن 21. ويتيح هذا المعرض جولة تجمع بين التقليدي والحديث، عبر العبقرية والتراث المائي المغربيين، ودعوة للتساؤل حول الرهانات والتحديات المستقبلية.
ويشهد المتحف عرض عدد من الأدوات ومخطوطات أصلية ذات قيمة تراثية مضافة تم جمعها من مختلف تراب المملكة، تسرد مختلف الأوجه المرتبطة بالماء، من حيث الاستعمال، والجمع، والتصريف، والتدبير والطقوس.
وتعد هذه المعلمة المتحفية، ذات أبعاد شاملة حول موضوع الماء لفائدة الطلبة والجمهور الواسع والتي تحظى بمعالجة سينوغرافية متنوعة معززة بعرض بالصوت والصورة، فضاء علميا ومركزا للتصور المعاصر والتفاعلي، وأرضية للتعلم والتكوين، مطعم بهياكل حقيقية من الموارد المتحفية ضمنها السينوغرافيا، والأدوات، ومجسمات مصغرة، وخرائط، وصور، ووثائق ومخطوطات، ودعائم سمعية بصرية ومنصة متعددة الخصائص.
ويسلط متحف محمد السادس لحضارة الماء الضوء على عشرة محاور موضوعاتية لسرد حكاية الماء وهي الخصائص الفيزيائية والكيميائية للماء والمصادر المائية بالمغرب، وواقع الحال، والتراث المائي القروي التقليدي للأنظمة الإيكولوجية المغربية الكبرى (الواحات، الجبل، السهول والصحراء)، التراث المائي الحضري لثلاث مدن تاريخية (فاس، مراكش وتطوان)، والقانون العرفي وأنماط التدبير التقليدي.
ويتعلق الأمر أيضا، بدور الوقف في تدبير المياه الحضرية، والتقاليد الروحية والطقوس والأعياد المرتبطة بالماء، وسياسة السدود وقانون الماء لجلالة المغفور له الملك الحسن الثاني طيب الله ثراه، والإستراتيجية الوطنية للماء والسياسة الرشيدة الجديدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، ثم أخيرا إكراهات وتحديات المستقبل بخصوص هذه المادة الحيوية.
وإلى جانب مهمته الأساسية المتمثلة في إبراز العبقرية المغربية في مجال تدبير الموارد المائية، يسعى متحف محمد السادس لحضارة الماء إلى أن يكون فضاء للابتكار الثقافي وموقعا جذابا بمنطقة النخيل بمراكش، يرتقي بها إلى فضاء لا محيد عنه بالمشهد المراكشي والمسارات السياحية للمدينة الحمراء.
والأكيد أن متحف محمد السادس لحضارة الماء بالمغرب يشكل فضاء متفردا، يجمع بين التاريخ والعلم والثقافة والبيداغوجية والترفيه، ليس فقط بمدينة مراكش، بل في المغرب وإفريقيا بصفة عامة.