رهان الماء والغذاء أكبر تحديات التحالف العالمي للأراضي الجافة
(زهور السايح)
الدوحة – أعلن في الدوحة عن ميلاد تحالف عالمي للأراضي الجافة بعد حوالي أربع سنوات استغرقها إنضاج المشروع، قبل أن توقع على ميثاقه التأسيسي يوم الأحد الماضي بالعاصمة القطرية 13 دولة.
وقد وقعت على وثيقة تأسيس هذا التحالف كل من قطر (البلد المستضيف)، والمغرب، وبنين، وبوركينا فاسو، وغينيا، وغينا بيساو، والعراق، ومالي، وسلطنة عمان، والسنغال، وتونس، وتانزانيا، والكويت، الى جانب خمس دول أخرى، قالت المديرية التنفيذية للتحالف، إنها كانت قد أعلنت سابقا انخراطها فيه.
ويظل الرهان كبيرا على هذا التحالف الذي يبقى باب الانضمام اليه مفتوحا أمام كل الدول التي تعاني من معضلة الأراضي الجافة أو شبه الجافة، والذي يرتقب أن تنضم إليه 25 دولة أخرى.
ويتمثل هذا الرهان في ضمان الغذاء لنحو 3 ملايير نسمة تعيش في أراض جافة أو شبه جافة، 90 في المائة منهم ساكنة دول نامية تعاني من ندرة المياه أو ارتفاع نسبة ملوحتها، أو هما معا، ومن ضعف أو انعدام التساقطات المطرية، أو تباين في توزيع هذه التساقطات، وفي حلقة ضغط تأثير تغيرات مناخية تزداد حدة، بينما تتسع الحاجة الى الغذاء مع ميلاد حوالي 200 ألف شخص يوميا عبر العالم.
ومع تضاؤل التساقطات المطرية وارتفاع درجات الحرارة وتقلص الموارد المائية وازدياد الحاجة الى الغذاء، وإمعان الدول المصنعة في استنزاف فرص توفير، ولو بقدر، ما يؤخر السقوط الى الهاوية بفعل تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، يكبر الرهان الذي قد يحصره البعض فقط في تلك الدول التي لها معاناة التواجد جغرافيا في مناطق جافة أو شبه جافة، بينما هو في واقع الأمر تحد كوني، يضر بصور مختلفة ومتباينة بمقدرات البشرية ككل وسلامتها وأمنها الغذائي، بل وبوجودها.
المسألة لم تعد قضية دول ظلمتها الجغرافيا، بل هي قضية جغرافيا عالمية ظلمها ونال من سلامتها تصرف بشري أهوج، مقبل بنهم على البحث عن المنافع المادية بأي وسيلة، ودون أن يضع في حسابه أن أسلوب البناء الحضاري والثورة الصناعية وتطويع الطبيعة لمعانقة “الحداثة والتطور”، هي بالأساس منطلق تدميره البطيء لهذه الحضارة ولوجوده وامنه الغذائي وسلامته الصحية.
وفي أفق التحديات التي تنتظر هذا التحالف الجديد، تعهدت الدوحة التي احتضنت ميلاده، على لسان رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، في الجلسة الافتتاحية التأسيسية، بأن تتكفل ب”ميزانيته التشغيلية خلال السنتين القادمتين وبتكاليف احتضان مقره الرئيسي بالدوحة”.
وأكد الوزير القطري أن المطلوب من هذا التحالف الذي سيكون مكملا في عمله لباقي الهيئات والمنظمات الدولية العاملة في هذا المجال، وليس بديلا عنها، أن يكون على شكل هيئة “منظمة دولية مختصة في ضمان الأمن الغذائي لأكثر من ثلاثة مليارات شخص يعيشون في الأراضي الجافة المنتشرة في أكثر من خمسين دولة حول العالم”.
الرؤية التي يتبناها التحالف تتمثل في “المساهمة في جعل بلدان الأراضي الجافة آمنة غذائيا مما يؤدي الى مزيد من الاستقرار والسلم في العالم “، من خلال ” التعاون مع الشركاء محليا وإقليميا ودوليا من أجل إيجاد الحلول ونشرها وتنفيذها لمواجهة التحديات الخاصة بالزراعة والمياه والطاقة في بلدان الأراضي الجافة”.
فحصيلة ما تم تدميره، وما يبدو في الأفق أنه في طريقه لينال النصيب نفسه كبيرة، حيث تفيد الإحصائيات بأن الأنشطة البشرية في المناطق الجافة تسببت في تدهور شديد لحوالي 6 ملايين كيلومتر من الاراضي نتيجة فقدان التنوع الحيوي وتآكل الأراضي الصالحة للزراعة واستنزاف الطاقة الإنتاجية للتربة بفعل انعدام القدرة لدى المزارعين بهذه الأراضي على توفير الأسمدة اللازمة بسبب ارتفاع أثمانها، ناهيك عن نقص مياه الشرب لأكثر من ثلث سكان هذه المناطق. ويتفاقم الوضع أكثر في ظل المتغيرات المناخية القاهرة.
ويعد حضور المغرب في قلب هذا التحالف وتوقيعه على معاهدة التأسيس حضورا وازنا لعدة اعتبارات، منها أنه معني بمعالجة هذه المعضلة، إذ أن “الجزء الأكبر” من مساحته توجد ضمن “المجال الجاف المتميز بفترة تشميس طويلة وحالة جفاف جد قاسية”، ناهيك عن تواتر فترات الجفاف، والتي تجمع، بحسب المتخصصين، بين الندرة في التساقطات أو التأخر في نزولها وأيضا التباين في توزيعها، ما يفرض في جميع هذه الحالات فترات تشميس أطول أصبحت بنيوية ونجم عنها استنزاف متواصل للموارد المائية الموجهة للزراعة وللشرب في مناطق بعينها.
ومن هذه الزاوية، يتوفر المغرب، على معارف وخبرات سيكون أعضاء التحالف معنيين بالاطلاع عليها واقتسامها معه، وهو ما اعتاد توفيره برحابة صدر لشركائه في إطار التعاون جنوب-جنوب.
ويتعزز هذا الحضور بما توفر للمغرب من وعي ويقظة بيئية رائدة على مستوى إفريقيا، تجلت في التوجه وعلى أعلى مستوى لوضع سياسات تضع في اعتبارها قضايا ذات صلة لصيقة بالبيئة وبأهمية التحكم في تدبير وتوفير الموارد المائية. ولعل سياسة السدود التي كان جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني مهندسها ، تكشف عن هذا الإدراك المبكر لقضايا البيئة والماء باعتباره عصب الحياة والمصدر الأساس لتأمين الغذاء ولتحريك عجلة التنمية.
وهذا الوعي الذي انبثق مبكرا لدى المملكة، نتيجة تعاقب فترات جفاف ونقص الماء وهشاشة الموارد الزراعية، استمر وتعمق وبات أولوية في السياسات الحالية.
ولعل في احتضان المغرب لمؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي (كوب 22)، في مدينة مراكش ما بين 7 و18 نونبر 2016 ، ما يؤكد موقعه وثقله كرقم له أهميته من حيث غنى مساهماته في التفكير والبناء لتجاوز تحديات البيئة ومعالجة خصاص الماء، وصولا الى تأمين الغذاء والتأسيس لتنمية مستدامة.
وبالنظر الى هذه الخلفية، وهذا التراكم المعرفي النوعي، يكتسي حضور المغرب وتوقيعه على المعاهدة التأسيسية للتحالف العالمي للأراضي الجافة ، أهمية خاصة، وينبئ بالتالي بما سيكون له من صدارة في قلب هذا التحالف.
كما أن توقيع المغرب هو جزء من تعهد والتزام خاصين في ظل استحضار أن مسودة معاهدة التحالف تمت مناقشتها وإغناؤها في مؤتمر وزاري احتضنته أيضا مراكش متم ماي 2015، حيث تم طرق الأجراس بأن الوقت قد حان، بالنظر لتفاقم التحديات المتصلة بالتغيرات المناخية واستفحال ظاهرة الجفاف وتناقص الموارد المائية، بضرورة التسريع بتفعيل هذا التحالف والانخراط عمليا في قطف ثمار الشراكة عبر توحيد الرؤية واستراتيجيات العمل وتبادل المعارف والخبرات وتشجيع البحث في هذا المجال.
وما من شك في أن طموحات هذا التحالف تنبئ بأن الإرادة السياسية وتوحيد الجهود وتكاثف المبادرات والتعاون وتشجيع البحوث العملية والابتكارات ذات الصلة وتقاسم ثمارها، سيكون خير معين على اختصار الزمن والجهد لتقليص الهوة ما بين الحاجيات والمؤهلات والموارد في ما يتعلق بالماء والغذاء.