أهم التدابير المتخذة لمواجهة ندرة المياه في بعض الأحواض المائية: أربعة أسئلة لوزير التجهيز والماء السيد نزار بركة
الرباط – يعاني عدد من الأحواض المائية، خاصة أحواض ملوية وأم الربيع وتانسيفت، من ندرة المياه وضعف حقينة السدود بها، لذلك قامت وزارة التجهيز والماء باتخاذ مجموعة من التدابير الاستعجالية الرامية إلى ضمان التزويد بالماء الصالح للشرب بمختلف مناطق هذه الأحواض، بتكلفة إجمالية تقدر بمليارين و42 مليون درهم.
في هذا الحوار الذي خص به وكالة المغرب العربي للأنباء، يتطرق السيد نزار بركة، وزير التجهيز والماء، إلى مختلف المشاريع والبرامج التي اعتمدها المغرب لمواجهة ندرة الماء. كما يستعرض أهم مضامين البرنامج الاستعجالي الذي تم إطلاقه مؤخرا لتأمين التزود بالماء الشروب بالأحواض المعنية، فضلا عن الإمكانيات التي تتيحها محطات تحلية المياه، والاستراتيجية المائية التي تعتزم الوزارة بلورتها على ضوء توصيات النموذج التنموي الجديد.
1- اتخذ المغرب عدة إجراءات في السنوات الأخيرة لمواجهة ندرة الموارد المائية. ما هي أهم المشاريع التي تم إطلاقها لتحسين الولوج إلى المياه في مختلف جهات المملكة؟
يولي صاحب الجلالة الملك محمد السادس أولوية كبرى لمسألة الماء ولمواجهة ندرته. وفي هذا الإطار، تم وضع عدة برامج تهدف أساسا إلي تعبئة المياه من خلال إنشاء السدود التي تكتسي أهمية بالغة بالنسبة للمملكة، حيث نتوفر اليوم على 148 سدا. كما تم العمل على تحسين ولوج العديد من المواطنين والمواطنات إلى الماء، خصوصا في المناطق القروية والجبلية، حيث أن أكثر من 98 بالمائة من هذه المناطق مغطاة بقنوات تزويد الماء و40 بالمائة من ساكنة العالم القروي تتوفر على الربط المنزلي بالماء و100 بالمائة بالنسبة للحواضر.
من جهة أخرى، تم وضع عدة مشاريع للعمل على مواجهة التغيرات المناخية. وفي هذا الإطار، أعطى جلالة الملك مؤخرا انطلاقة البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027 بتكلفة إجمالية بلغت 115 مليار درهم، الهادف أساسا إلى العمل على تزويد المواطنين بالماء الشروب، والعمل من ناحية أخرى على ضمان ماء السقي بالنسبة للقطاع الفلاحي.
فضلا عن ذلك، تم إصدار القانون المتعلق بالماء الذي يرتكز على مبادئ أساسية لضمان حق الماء للجميع، ومبدأ “المُلوِّث المؤدي” لمواجهة إشكالية تلوث الماء وتحسين جودته، إلى جانب الاستراتيجية الوطنية للماء التي تم إطلاقها سنة 2009 بهدف مواجهة سنتي جفاف متتاليتين وتأمين وصول الماء الشروب لجميع المواطنين وتفادي الضغط على الأقاليم، وفي الوقت نفسه ضمان تزويد كل القطاعات المعنية بالماء، خاصة القطاعات الفلاحية والصناعية والسياحية ، والعمل كذلك على تحسين جودة الماء وتطعيم الفرشة المائية من أجل ضمان إمكانية مواجهة الظروف المناخية الصعبة، خصوصا وأن التغيرات المناخية أبانت عن تراجع في التساقطات المطرية.
ويجب التذكير هنا أن هذه السنة تشهد تسجيل تراجع الواردات من الماء بنسبة 59 بالمائة، إضافة إلى إشكالية تتعلق بالتراجع الكبير لنسبة ملء السدود التي بلغت اليوم فقط 34 بالمائة بتسجيلها 5 ملايير و300 مليون متر مكعب من أصل 19 مليار متر مكعب، وهو ما يشكل ضغطا كبيرا. وبحسب منطق التغيرات المناخية، فستكون هناك سنوات جفاف وأيضا سنوات فيضانات، مما يتطلب حماية العديد من المناطق.
لكن مع الأسف، من خلال التقييم الذي قمنا به، تبين أن هناك إشكالية في وتيرة إنجاز الاستراتيجية الوطنية للماء، وهو ما جعل جلالة الملك يدفع في اتجاه وضع برنامج استدراكي لمواجهة هذه الإشكاليات في المستقبل.
2- أعلنتم مؤخرا عن برنامج استعجالي بقيمة 3 مليارات درهم لحل مشكلة ندرة الموارد المائية. ما هي باقي تفاصيل هذا البرنامج الجديد؟
بالفعل، لقد تم وضع هذا البرنامج الاستعجالي لأنه تبين أنه بالرغم من المجهوات المبذولة ووضع البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027، تعاني بعض الأحواض المائية من ندرة كبيرة في المياه، ومنها حوض ملوية (مناطق وجدة والشرق)، حيث يسجل تراجع كبير في نسبة ملء السدود التي لا تتجاوز 11 بالمائة، وهو ما ينعكس سلبا على ساكنة هذه المناطق.
ويرجع هذا الوضع إلى أمرين. أولهما يتعلق بالتغيرات المناخية وتراجع التساقطات المطرية، وثانيهما مرتبط بالتأخر الحاصل في تفعيل الاستراتيجية الوطنية للماء، حيث كان من المفروض إنجاز محطة لتحلية المياه في السعيدية عند متم 2018 من أجل ضمان التزود بالماء لساكنة مناطق الناظور والدريوش والسعيدية، وهو أمر لم يتم للأسف .
ولمواجهة هذا الخصاص، تم وضع برنامج بقيمة مليار و300 مليون درهم بالنسبة لحوض ملوية يهدف إلى تعبئة كل الإمكانات المائية الموجودة من خلال إنشاء قنوات الضخ واستثمارها واستغلالها لتزويد المناطق المتضررة، والعمل كذلك على تعبئة والبحث عن مياه جوفية جديدة، فضلا عن إطلاق مشروع تحلية الماء بالناظور.
كما تم في هذا الإطار، العمل على تحسين مردودية القنوات واستثمار كل ما هو مرتبط بالسدود الموجودة من أجل استعمالها بشكل أفضل مستقبلا، والعمل في الوقت نفسه على وضع سدود تلية جديدة بالنسبة لحوض ملوية، حيث سيتم إنجاز 11 سدا تليا.
وبالنسبة لحوض تانسيفت، الذي يعرف نقصا كبيرا في المياه والبالغة نسبة ملئه 34 بالمائة، نعتبر أن الإشكال الحقيقي مرتبط بوجود العديد من المناطق، خاصة مدينة مراكش، التي تعاني من إشكالية الماء، وبالتالي كان من الضروري ضمان تعبئة 20 مليون متر مكعب من أحد السدود من أجل تأمين وصول الماء لهذه المدينة. وكذلك الشأن بالنسبة للجهود المبذولة لمعالجة إشكالية سرقة الماء الموجودة في المنطقة وتلك المرتبطة بمردودية قنوات الماء التي تسجل ضياعا في هذه المادة الحيوية بنسبة تترواح ما بين 40 و 60 بالمائة.
وعلاوة على تقليص الضغط على سد المسيرة من خلال ما تم القيام به بالنسبة لحوض أم الربيع، سيتم إطلاق، في الأسابيع المقبلة، المشروع الكبير لتحلية المياه بالدار البيضاء ب300 مليون متر مكعب. كما يتم ربط الدار البيضاء الشمالية بالدار البيضاء الجنوبية، وهو ما سيساهم في تقليص الضغط على سد المسيرة، إلى جانب استعمال سد سيدي محمد بن عبد الله بالنسبة لحوض أبي رقراق. وبهذه الكيفية، سيتم تخفيف الضغط على الدار البيضاء بالنسبة للماء.
من جهة أخرى، سيتم إنجاز السدود التلية في حوض أم الربيع، والعمل على ضمان تدبير مندمج للماء بالنسبة للفرشة المائية بمنطقة برشيد، حيث تم الشروع في إبرام عقود فرشة بهذه المنطقة الفلاحية المهمة التي تسجل استغلالا مفرطا للماء، وذلك لاستفادة الفلاحة، ولكن ليس على حساب الماء الشروب وفئات عريضة من مستعملي الماء في هذه المنطقة.
وعلاوة على هذه البرامج ذات الطابع الاستعجالي، تم اعتماد برنامج خاص للسدود التلية يضم 120 سدا تليا سينطلق هذه السنة على أن ينتهي في سنة 2024، خاصة وأن السدود التلية لها دور مهم، لأنها تساهم في مواجهة إشكالية الفيضانات وتوفير الماء للماشية وتغذية الفرشة المائية بكيفية اصطناعية.
وأؤكد هنا أن الفرشة المائية عرفت استغلالا مفرطا، حيث تعرف مدينة برشيد لوحدها استنزاف مترين مكعب من الفرشة المائية سنويا، و1.5 متر مكعب بمنطقة الحوز سنويا، لذلك يتعين مواجهة هذه الإشكالية الحقيقية بكيفية عقلانية تقوم على التدبير المندمج للماء، وكذلك استغلاله بالشكل الأمثل، والعمل على ضمان تدبير الطلب.
3- ما هو تقييمكم لبرامج تحلية المياه ومشاريعها في مناطق مختلفة من المملكة؟
التركيز منصب حاليا، من خلال الاستراتيجية الجديدة للوزارة، على خيار تحلية المياه، خاصة وأن المملكة تملك واجهتين بحريتين ، وبالتالي لديها إمكانيات كبيرة في هذا المجال. وسيتم الاشتغال أيضا على الطاقات المتجددة التي يتوفر المغرب على مكامن مهمة منها، سواء الريحية أو الشمسية، وهو ما يتيح تحلية المياه بأقل تكلفة.
وقد تم تشييد محطات مهمة في المدن الجنوبية للمملكة (العيون وسيدي إفني)، ناهيك عن التجربة الجديدة في إطار شراكة بين القطاع العام والخاص في منطقة اشتوكة آيت باها، التي ستمكن من تأمين الماء الصالح للشرب لأكادير، وستساعد القطاع الفلاحي من خلال سقي العديد من الهكتارات من الأراضي الفلاحية.
كما سيتم إطلاق مشروع الداخلة، من خلال استغلال الطاقة الريحية لتحلية المياه، حيث سيتم توفير الماء الشروب وسقي مساحات فلاحية كبيرة دون استغلال الفرشة المائية، وبالتالي الحفاظ على الفرشة في مستواها الحالي، وفي الوقت نفسه، استعمال المياه في القطاع الفلاحي وتحسين دخل العديد من الفلاحين الصغار والمتوسطين في هذه المناطق.
يمكن القول إن كل المدن الساحلية تنحو نحو استعمال تحلية المياه على غرار الدار البيضاء التي انطلق المشروع الخاص بها هذه السنة وسيتم الشروع في تحلية المياه في أفق 2026-2027، وكذلك آسفي في أفق 2025، والناظور ، ونطمح إلى تشييد 20 محطة لتحلية المياه.
4- ما هي الاستراتيجية المائية التي تقترحونها للسنوات القادمة على ضوء توصيات النموذج التنموي الجديد؟
صحيح أن النموذج التنموي الجديد طرح إشكالية الماء، وأظهر أن المغرب سيعرف نتيجة للتغيرات المناخية، ضغطا كبيرا، حيث تم الانتقال اليوم من مرحلة نقص المياه إلى مرحلة ندرة المياه. كما أن هناك فوارق كبيرة في هذا المجال، فمثلا بمناطق اللوكوس، يتوفر كل مواطن على حوالي 600 إلى 700 متر مكعب في السنة، في وقت لا يتجاوز هذا المعدل في المناطق الجنوبية 100 م/3 في السنة، وبالتالي يتعين تدبير هذه الفوارق، إضافة إلى الإشكال المتعلق بالتساقطات المطرية التي تتركز أساسا في 7 بالمائة من المساحة الإجمالية للبلاد، وهو ما يستدعي القيام بمجهود كبير.
ولمواجهة هذه التحديات، يتم العمل على تعبئة المياه من خلال السدود، حيث تم إطلاق برنامج كبير في هذا الإطار، مكن من إنجاز 11 سدا، فيما يتمثل الهدف في إنجاز 20 سدا في أفق 2027. كما تعمل الوزارة على تحلية المياه لتعبئة الموارد المائية الممكنة، وسيتم استغلال كل الإمكانات في هذا الإطار لضمان الماء الشروب والماء المخصص للسقي والصناعات والسياحة.
وتعمل الوزارة أيضا على استغلال المياه العادمة بعد معالجتها، حيث يتم حاليا استغلال 58 مليون م/3 فقط، في الوقت الذي كان من المقرر ، حسب الاستراتيجية الوطنية للماء المعتمدة، الوصول إلى 300 مليون م/3.
يمكن القول إن هناك طاقات كبيرة بالإمكان استغلالها، ونستغلها حاليا فقط بالنسبة للمساحات الخضراء، ولكننا نرغب في أن يمتد الأمر إلى المجال الفلاحي، بالنسبة خصوصا لما هو مرتبط بالأشجار، لأن 60 بالمئة من المياه المستعملة في السقي في العديد من الدول هي مياه عادمة معالجة. وهذه من الأمور التي سنقوم بتطويرها في المستقبل.
وهناك أيضا نقطة أساسية نعتبرها مهمة جدا في المستقبل، وهي مرتبطة بالنجاعة المائية. وفي هذا الصدد، يمكن اعتبار أن إشكالية القنوات والضياع المسجل فيها، هي بمثابة إجرام، لأنه لا يجب تبذير الماء بعد كل الإمكانيات الكبيرة التي نرصدها لتعبئته.
ونؤكد أيضا على ضرورة الاقتصاد في الطلب على الماء في ظل الضغط الكبير على الموارد المائية في القطاع الفلاحي. ولتخفيف هذا الضغط يتم استعمال التنقيط، حيث هناك حوالي 700 ألف هكتار تستعمل هذه التقنية حاليا، ويمكننا أن نذهب أبعد من ذلك. كما يجب علينا تحسين استعمال الماء من حيث المنتوجات والعمل على ضبط الخريطة الفلاحية في هذا الإطار، فضلا عن اعتماد النجاعة في استغلال الماء من طرف القطاعين الصناعي والسياحة.
نفس الأمر ينسحب على المدن والتعمير، إذ ينبغي إدماج بُعد النجاعة المائية في التصور المستقبلي. ولقد قمنا في هذا الإطار بعقد لقاءات مع الوزارات المعنية (الفلاحة والسكنى والتعمير والانتقال الطاقي والتنمية المستدامة)، بهدف إحداث فرق عمل مشتركة لضبط هذه الأمور، وضمان بُعد استدامة الماء بالنسبة للمواطنين والأنشطة الاقتصادية، وفي نفس الوقت تثمين استعمال الماء.
كما سنركز على أهمية التحسيس، حيث سيتم تنظيم حملات تحسيسية لفائدة المواطنين لتوعيتهم بأهمية الاستهلاك المعقلن للماء والحد من هدر هذه المادة الحيوية، إلى جانب المحافظة على الفرشة المائية وتطعيمها بهدف استغلالها مستقبلا في حال توالي سنوات الجفاف.
وأخيرا، أؤكد أن الوقت قد حان للانتقال إلى التدبير المندمج للماء من طرف منتجي ومستهلكي هذه المادة الحيوية، لأن هذا التدبير سيتيح استغلالا أكثر فعالية وأكثر نجاعة ومردودية، وسيضمن الماء الصالح للشرب للمواطنين بأقل تكلفة، وكذا مياه السقي، فضلا عن تأمين المياه الضرورية للأنشطة الاقتصادية وخلق القيمة المضافة وتحسين دخل المواطنين.