أيوب منصف .. بين عشق الصناعة التقليدية وولع بعالم الأسماك نشأ مشروع تحويل جلد السمك إلى منتجات جلدية مستدامة
(إعداد : ربيعة صلحان)
الرباط – لطالما شكل استعمال جلود بعض الحيوانات المعرضة للانقراض في مجال الأزياء والموضة، محط انتقاد من طرف الجمعيات المدافعة عن الحيوانات والنشطاء في المجال البيئي، ما جعل عددا كبيرا من العلامات التجارية العالمية تتوقف عن استخدام فرو وجلد هذه الحيوانات في منتجاتها.
وفي المقابل، بدأ البحث عن بدائل أخرى مستدامة، وأكثر رحمة ورفقا بالموارد الطبيعية. وهكذا، وجد الباحثون ضالتهم في جلود الأسماك، حيث عرف استعمال جلد السمك في صناعة مجموعة من المنتوجات الجلدية تطورا مهما، خلال السنوات الأخيرة، على المستوى الدولي، وكذا الوطني لما تزخر به المملكة من ثروة بحرية مهمة ومتنوعة.
والمثال من الأقاليم الجنوبية للمملكة وبالتحديد مدينة الداخلة، حيث ترعرع أيوب منصف، واكتسب، على مدار السنوات، دراية موسعة بأنواع الأسماك على اختلاف أحجامها وألوانها وصلابة جلدها، بفضل عمل بعض أقربائه في قوارب الصيد بالداخلة التي تتوفر على ثروة سمكية هائلة.
كما أنه دأب على زيارة خاله الذي يعمل دباغا ب”باب الدباغ” بمدينة مراكش، حيث تعلم بعض مبادئ هذه الحرفة، وتكون لديه حب كبير وشغف بالصناعة المغربية التقليدية، ومن هنا تكونت فكرة المشروع.
يقول منصف، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، “لطالما حلمت بإنشاء مشروعي الخاص، وفكرت بمشروع تحويل جلد الأسماك إلى منتوجات جلدية متنوعة، لما تزخر به مدينة الداخلة من ثروات بحرية مهمة، بالإضافة إلى أنني وجدت الدعم والتحفيز من خالي الذي يعمل في مجال الدباغة”، لكن طريق تحقيق هذا الحلم إلى حقيقة لم يكن بالأمر الهين، بالنسبة لهذا الشاب ذو الرابعة والعشرين ربيعا.
فمع بداية الفكرة، راودت منصف مجموعة من الشكوك خاصة أن فكرة مشروعه بعيدة كل البعد عن مجال دراسته، بالإضافة إلى عدم توفره على أي خبرة أو تكوين في مجال المقاولات، هو الحاصل على الإجازة في اللغة الانجليزية. وهنا قرر الشاب الطموح الالتحاق بمعهد الداخلة لتأهيل الكفاءات، حيث تلقى تكوينا لمدة سنة في مجال المقاولات، وأكد، بهذا الخصوص، أن التحاقه بالمركز شكل “نقطة محورية” في تحقيق مشروعه، بالنظر إلى أن هذا التكوين ساعده على وضع تصور حقيقي لمشروعه، ومكنه من اكتساب عدة معارف متعلقة خصوصا بمراحل وكيفية إنشاء المقاولة.
وبعد مدة قصيرة من خروج المشروع إلى أرض الواقع، ومشاركته في عدة مهرجانات ومعارض جهوية ووطنية كبرى، حيث لاقت معروضاته اقبالا كبيرا من طرف الزوار، اصطدم الشاب المغربي بتوقف توافد السياح المغاربة والأجانب على المدينة بسبب فيروس كورونا، الشيء الذي أثر، بشكل كبير، على المبيعات التي تعتمد، بشكل أساسي، على السياح، في ظل الإقبال الضعيف للمغاربة على هذه المنتجات.
ويرجع أيوب السبب الرئيسي في ضعف إقبال المغاربة على المنتجات الجلدية المصنوعة من جلد السمك إلى الارتفاع النسبي لثمنها مقارنة مع المنتجات المصنوعة من الجلود التقليدية.
وأوضح، بهذا الخصوص، أن “ثمن السمك الذي نعمل به، مرتفع بشكل كبير، وعملية دبغه تتطلب مزيدا من المواد الكيميائية التي تزين طبقة الجلد، وتعطيه لمعانا، وتحافظ على مرونته، وتزيل الرائحة النتنة منه، وبالتالي فإن ثمن المنتوج قد يكون مرتفعا مقارنة مع المنتجات المصنوعة من الجلود العادية كجلد الماعز والغزال”. لكن، وفي مقابل الثمن المرتفع، يؤكد أيوب أن المنتجات تكون عالية الجودة.
ولضمان جودة المنتجات الجلدية التي يسوقها، يؤكد أيوب حرصه على استعمال جلود سمك معينة، منها، على الخصوص، جلود أسماك الصول، والكوربين، والراية، والميرلا، والسلمون، مبرزا أن اختيار نوع السمك مهم جدا “لتوفير منتجات ذات جودة عالية تتميز بالمرونة والجمالية، والفخامة، فباستعمال بعض الأنواع الأخرى يمكن أن نحصل على منتجات جلدية ذات جودة رديئة قد لا تتحمل الشمس أو الحرارة أو الرطوبة فيما بعد”.
ويحصل الشاب على جلود الأسماك التي يستعملها، من أماكن التثليج المحلية بمدينة الداخلة، كما يعتمد على مساعدة بعض معارفه الذين يمتلكون قوارب صيد، ويعملون في صيد الأسماك كبيرة الحجم.
وقبل تطويعها لتصبح جاهزة للاستعمال تمر جلود الأسماك بعدة مراحل، حيث تشمل المرحلة الأولى التنظيف وإزالة القشور، ونقع الجلد لمدة ساعة من الزمن، ليتم في المرحلة الثانية إضافة مستخلص الموز للتخلص من الرائحة الكريهة، والملح لتقوية الألياف، ثم يتم نقع الجلد مرة ثانية لمدة عشر ساعات. وقبل وضع الجلود في المدبغة، يتم زيادة بعض المكونات الكيميائية التي لا تضر بالجلد، ولا تشكل أي ضرر على الإنسان أو البيئة، حسب المقاول الشاب.
وعن رؤيته المستقبلية لهذه الصناعة، أكد منصف أن بإمكان المملكة أن تكون رائدة في تصنيع المنتجات الجلدية بالاعتماد على جلود الأسماك، خاصة أن المغرب يتوفر على ثروة سمكية هائلة، ويتوفر على حرفيين ذوي كفاءات عالية، بشرط تقديم تسهيلات لهم لتوفير منتجات ذات جودة وبأسعار تنافسية، ودعم تصدير هذه المنتجات، ما من شأنه المساهمة في إشعاع الصناعة المغربية والتنمية الاقتصادية للمملكة.