إفريقيا تجدد دعوتها من أجل عدالة مناخية
(إعداد: حميد أقروط)
جوهانسبورغ- باتت الأصوات الإفريقية الداعية إلى تحقيق عدالة مناخية في القارة تتعالى أكثر من أي وقت مضى، ذلك أن الأفارقة عازمون على ضمان ترجمة أولويات قارتهم إلى أفعال، بدل الاكتفاء بالإقرار بهذه الأولويات.
ومع اختتام الدورة الـ29 لمؤتمر الأطراف بشأن تغير المناخ “كوب 29” في العاصمة الأذربيجانية باكو، علت أصوات كثيرة في إفريقيا تدعو المجتمع الدولي إلى التحلي بحس التضامن وتقديم حلول منصفة لقارة تقع على خط المواجهة مع التغيرات المناخية.
ومن البديهي أن إفريقيا ليست هي من اختارت أن تكون على خط التماس في معركة مكافحة تداعيات أزمة المناخ، بل وجدت نفسها في وضع أملته الظروف. فعلى الرغم من أنها لا تسهم سوى بنسبة 4 بالمائة من الانبعاثات العالمية للغازات الدفيئة، فإنها تتحمل عبئا غير متكافئ من الكوارث الناجمة عن المناخ، والتي تهدد سبل العيش وتقوض مسار عقود من التنمية.
وفي باكو، صار صوت إفريقيا مسموعا أكثر، إذ دعا ممثلو القارة مؤتمر “كوب 29” إلى إعطاء الأولوية لتمويل التكيف مع تغير المناخ، إضافة إلى تمويل الخسائر والأضرار التي تعاني منها القارة. كما سعوا إلى توعية العالم بحاجة إفريقيا إلى تعزيز المرونة والتكيف، وزيادة التمويل المناخي الذي يتماشى وأولويات الأفارقة، وكذا إرساء شراكات تعزز الموقف المشترك للقارة بشأن العمل المناخي.
ويظل الأفارقة على قناعة تامة بأن تمويل التكيف هو حجر الزاوية لتحقيق المرونة المناخية. لذلك، هم يرون أن أي اتفاق يتم التوصل إليه ينبغي أن يضمن تمويلا منصفا ومتاحا لمواجهة تداعيات التغيرات المناخية، بحيث يصل إلى السكان المحليين، الذين يستشعرون آثار هذه التغيرات بشكل أكبر.
وبعد أسبوع شاق من المفاوضات في مؤتمر “كوب 29″، تم الكشف عن مقترح مشروع جديد لتمويل طويل الأمد لمواجهة تداعيات التغير المناخي، أطلق عليه اسم “الهدف الجماعي الكمي الجديد للتمويل المناخي”. وعلى الرغم من أن مقترح المشروع لم يحدد بعد حجم الموارد المالية أو طبيعتها، سواء كانت منحا أو قروضا، إلا أن المجموعة الإفريقية أشادت به واعتبرت أنه “أكثر عقلانية”.
ولكن بالنسبة لبعض المحللين، فإن الشعور العام هو أن النص المتعلق بالهدف المالي “عديم الفائدة” إلى حد كبير في غياب رقم على الطاولة. وأكد المدير المؤسس لمركز الأبحاث حول المناخ والطاقة “باور شيفت أفريكا”، محمد أدو، في هذا الصدد، أن “النص الجديد يشخص مشكلة المناخ بشكل صحيح، بما في ذلك التمويل اللازم للتكيف والانتقال في المجال الطاقي، لكنه يغفل بشكل صارخ ما ستقدمه الدول الغنية فعليا للبلدان النامية”.
وبدورها، تتبنى المديرة التنفيذية للشبكة الدولية للعمل المناخي، تسنيم إسوب، نفس الطرح، حيث ترى أن الدول المتقدمة كانت تدرك أنه يتعين عليها القدوم إلى باكو وهي مستعدة للاتفاق على هدف لتمويل المناخ ذي مغزى. وتعتبر، في هذا السياق، أنه “بدلا من ذلك، يواصلون اللعب بحياة الأشخاص الذين هم في الخطوط الأمامية لمواجهة الكارثة المناخية، من خلال التلاعب بهذه المفاوضات الحاسمة وتقويضها”.
من جانبه، أبرز رئيس قسم تمويل المناخ والبيئة في بنك التنمية الأفريقي، غاريث فيليبس، العجز الكبير في تمويل القارة، مشددا على أن “الآفاق الاقتصادية في إفريقيا تتوقع الحاجة إلى تمويل بقيمة 2700 مليار دولار بحلول سنة 2030، أي حوالي 400 مليار دولار سنويا، لمكافحة التغير المناخي بشكل فعال”.
وعلى الرغم من أن الاستثمار القياسي لبنك التنمية الإفريقي البالغ 5.8 مليار دولار في مجال التكيف والتخفيف من آثار تغير المناخ العام الماضي يمثل تقدما، إلا أنه لا يزال غير كاف. فقد تلقت إفريقيا 47 مليار دولار فقط خلال سنة 2022، وهو ما يمثل 3,6 بالمائة فقط من التمويل العالمي للمناخ.
وفي سياق هذا السعي المستمر لتمويل مكافحة التغير المناخي، يدعم البعض بأن البلدان الإفريقية بحاجة إلى الضغط على البلدان المتقدمة لإعطاء الأولوية للمساهمات العامة.
ففي إفريقيا، لا تقتصر أهمية الدفاع عن أجل العدالة المناخية على أولئك الذين يهتمون بالبيئة فحسب، بل هي حاسمة أيضا لأولئك الذين يرغبون في أن تكون أفريقيا قارة مزدهرة، حرة، مكتفية ذاتيا.
فالعمل والتحرك من أجل تحقيق عدالة مناخية في إفريقيا ليس مهما فقط بالنسبة للنشطاء البيئين، بل أيضا بالنسبة لأولئك الذين يتطلعون لأن تكون قارة مزدهرة وحرة ومكتفية ذاتيا.