استحضار البعد البيئي في مجال التعمير .. مدخل أساسي لإرساء منظومة عمرانية شاملة ومستدامة
الرباط – حتمت محدودية الموارد الطبيعية وسوء استعمالها، والتغيرات البيئية المتلاحقة التي مست المجال العمراني، لا سيما بالدول النامية، الأخذ بعين الاعتبار مفهوم التنمية المستدامة والاستغلال الأمثل للإمكانات المتاحة طبيعيا وبيئيا واقتصاديا أثناء التخطيط والتشييد العمرانيين.
ويمثل استخدام طاقة نظيفة والحماية من التلوث الضجيجي والبصري، والتخلص من النفايات والاهتمام بالمناطق الخضراء، مدخلا أساسيا لإرساء منظومة عمرانية شاملة ومستدامة تجمع بين احتياجات الإنسان ومعطيات بيئته المحيطة.
وتشير آخر الأبحاث الأممية في هذا المجال إلى أن المباني مسؤولة عن ما يقارب 45 في المئة من إجمالي استخدام الطاقة في العالم، وعن حوالي 80 في المئة من استهلاك المياه، وأن 50 في المئة من المواد تستخدم في هذه المباني.
وأضافت أن الأبنية الخضراء تخفض من 35 إلى 50 في المئة من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، وتعتمد على تقنيات البناء التي تراعي البيئة في المواد المستخدمة، كما تساعد المباني الخضراء على توفير 40 في المئة من إجمالي المياه المستخدمة ونحو 30 في المئة من الطاقة المستخدمة.
وتكمن أهمية العمارة الصديقة للبيئة في المبادئ التي تعتمد عليها، كاحترام الهوية والطابع المحلي أثناء عمليتي التصميم والتنفيذ باستعمال أنماط وتشكيلات معمارية تصون التراث والموروث التقليدي، وتوفير العناصر الجمالية التي تتوافق مع المناخ والموقع، واستخدام المساحات الخضراء لتخفيض معدلات التلوث وتنقية الهواء.
ولتحقيق هذه المبادئ، لا بد من وجود خبرات بشرية مؤهلة، واستحداث تشريعات وقوانين وضوابط للتخطيط والتصميم والتشييد العمراني، بما يتناسب مع الطبيعة المجالية، بحيث يتحقق التكييف والتجانس الوظيفي والجمالي بين عناصر البناء والتشكيل العمراني والمعطيات البيئية.
وعلى الصعيد الوطني، فقد أقر المشرع المغربي في 20 ماي 2003 القانون رقم 11.03 المتعلق بحماية واستصلاح البيئة، كنص يؤطر المسألة البيئية بصورة مباشرة من شأنها أن توثق علاقة التخطيط الحضري بحماية البيئة وتحسين إطار العيش. ويتجلى ذلك من خلال المادة 5 من القانون المذكور حيث جاء فيها “تأخذ وثائق التعمير بعين الاعتبار متطلبات حماية البيئة بما في ذلك احترام المواقع الطبيعية والخصوصيات الثقافية والمعمارية أثناء تحديد المناطق المخصصة للأنشطة الاقتصادية والسكن والترفيه”.
وينص القانون رقم 13.03 بشأن مكافحة تلوث الهواء في مادته الخامسة : “تراعى حين وضع وثائق إعداد التراب الوطني والتعمير متطلبات حماية الهواء من التلوث، لاسيما عند تحديد المناطق المخصصة للأنشطة الصناعية ومناطق إقامة المنشآت التي تكون مصدرا لتلوث الهواء”.
وإذا كان الانشغال البيئي في علاقته بالعمران حاضرا بقوة في هذين القانونين، فإن القانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير نص في المادة 4 على أن المخطط العمراني يتولى دراسة الرقعة الأرضية المراد تنميتها اجتماعيا واقتصاديا دون الإشارة إلى العنصر البيئي.
ويبدو أن إدماج الاعتبارات البيئية في المجال المعماري لا ينحصر فقط في سن قواعد قانونية، بل يجب أن يتخذ طابعا ثقافيا حتى تنجسم القواعد القانونية مع التصرفات اليومية، ويتحول الانشغال البيئي إلى سلوك يوجه كل التدخلات ويؤطر كل الممارسات.
(بقلم: عبد الحق يحيى)