الاستشعار الفضائي وتحلية مياه البحر تقنيات المستقبل من أجل تدبير معقلن للموارد المائية
أجرى الحديث: هشام الأكحل
برازيليا – بسبب التغيرات المناخية والتصحر وغيرها من الظواهر بات حصول ملايين الأشخاص عبر العالم على الماء الصالح للشرب، من الصعوبة بمكان، وبات معه اللجوء إلى استخدام تقنيات مبتكرة مثل الاستشعار الفضائي أو تحلية المياه أمرا حاسما من أجل تدبير عقلاني لهذا المورد في القرن الحادي والعشرين.
بهذه الخلاصة استهل الخبير الدولي المغربي، السيد جواد الخراز، الذي يشغل منصب مدير الابحاث في مركز الشرق الاوسط لأبحاث التحلية، بمسقط، حديثه إلى وكالة المغرب العربي للأنباء، على هامش مشاركته في أشغال المنتدى العالمي للماء، الذي احتضنته العاصمة البرازيلية في الفترة الممتدة من 18 إلى 23 مارس الجاري.
وفي هذا السياق، قدم الخبير الدولي تشخيصا دقيقا للتحديات التي يتعين رفعها من أجل تجاوز العقبات التي يمكن أن تعيق الولوج إلى المياه في العالم، وبسط مجموعة من التقنيات الجديدة التي بوسعها أن تكون ذات جدوى بالنسبة للعديد من البلدان، ومن بينها المغرب، لا سيما في سياق التغيرات المناخية.
وأشار الخبير الدولي، المنحدر من مدينة تطوان والذي بصم على مسار علمي ومهني لافت في مجال الاستشعار الفضائي سواء بإسبانيا أو فرنسا قبل أن يشد الرحال نحو سلطة عمان، إلى أنه مع وجود سياق تهيمن عليه التغيرات المناخية والتصحر، فإن الحاجة أصبحت ماسة لترشيد استخدام الموارد المائية في الزراعة، من خلال تقنية ري حديثة وتقنية الاستشعار الفضائي، بالنظر لدورها الأساسي في عمليات ترشيد الموارد المائية.
وفي تقديره فإن التحديات التي يواجهها قطاع الماء حاليا، تحتم اللجوء إلى استخدام أكبر للتكنولوجيا والبحث العلمي من أجل المضي قدما في تطوير سياسات مائية أكثر أمانا وفعالية.
وأوضح في هذا السياق، أن تقنية الاستشعار الفضائي التي بدأ العمل بها منذ نحو 30 سنة، تقوم على استخدام صور الأقمار الاصطناعية لاستنباط معطيات بيوفيزيائية تساعد في فهم مجموعة من الظواهر الطبيعية من بينها التصحر والجفاف، ومن تمة اتخاذ الاجراءات الضرورية للحيلولة دون فقدان الموارد المائية.
وبعد أن أشار إلى أن القطاع الزراعي في العالم وفي المغرب يستهلك نحو 80 في المائة من المياه، شدد على أن الاستشعار الفضائي يمكن أن يعزز من الحفاظ على هذا المورد الحيوي، مبرزا في هذا الصدد أهمية توفر المغرب على المركز الملكي للاستشعار البعدي الفضائي، وعدد من الجامعات والكليات و الخبراء الذين يشتغلون في هذا المجال.
وكشف السيد الخراز أن هذه التقنية تكتسي أهمية كبيرة على اعتبار أنه من خلال المعطيات الواردة في صور الأقمار الاصطناعية، يتم تحديد مؤشر الغطاء النباتي ونسبة التبخر وهو ما من شأنه أن يساهم في تحديد نسبة المياه التي يكون القطاع الزراعي بحاجة إليها، على سبيل المثال لا الحصر.
وفضلا عن تقنية الاستشعار الفضائي، اعتبر الخبير الدولي أن تحلية المياه تعتبر أيضا من بين التقنيات التي يتعين تطويرها للحفاظ على الموارد المائية، موضحا أن المملكة قامت بهذا الخصوص “بخيارات جيدة خلال السنوات الأخيرة”.
وتوقف عند مشروع تحلية المياه الذي تم إطلاقه خلال الصيف الماضي بأكادير ونواحيها، مبرزا أن الأمر يتعلق بأحد أكبر مشاريع التحلية في العالم من ناحية استخدام المياه المحلاة لأغراض الاستعمال البشري والزراعي، خاصة وأن المشروع، سيكون قادرا، عند استكماله، على إنتاج أزيد من 400 ألف متر مكعب يوميا من المياه المحلاة، مما سينعكس إيجابا على المناطق الفلاحية بهذه الجهة.
وقال الخبير إن محطة تحلية المياه بأكادير ستعتمد على الطاقة الكهربائية التي ستنتجها محطة نور للطاقة الشمسية بورزازات، مشيرا إلى أن هذا الاتجاه نحو “دمج الطاقة المتجددة مع تكنولوجيا تحلية المياه يمكن أن يساهم في تقليص الكلفة والتقليل من التأثير البيئي”.
وأشار إلى أن مشاريع أخرى لتحلية المياه توجد قيد الانجاز على مستوى الدار البيضاء والحسيمة، موضحا أن هذه المشاريع كفيلة بسد حاجيات السكان وحاجيات القطاع الاقتصادي والصناعي، مسجلا أنه في السنوات الأخيرة، بدأت العديد من البلدان، تتجه نحو التحلية بفضل التطور التكنولوجي وانخفاض الكلفة واستخدام الطاقات المتجددة، وهو الأمر الذي لم يعد حكرا فقط على الدول الغنية.
وفي ما يتعلق بالسياسة المائية في المغرب، أشار السيد الخراز إلى أن المملكة تعتبر “نموذجا يحتذى في العالم العربي من حيث إدارة القطاع”، مشيدا بالخيارات التي اتخذتها المملكة في قطاع المياه بفضل سياسة السدود التي أطلقها جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني في سبعينيات القرن الماضي.
وخلص إلى أن النسخة الثامنة للمنتدى العالمي للماء شكلت مناسبة استعرض من خلالها العديد من الخبراء دور العلوم والتكنولوجيا في ابتكار حلول جديدة لمشكلة ندرة المياه، ومن بينها تقنية الاستشعار الفضائي.
وتميزت أشغال هذه الدورة التي انعقدت تحت شعار “تقاسم الماء”، والتي استقطبت مشاركة 172 بلدا، بتنظيم نقاشات مستفيضة حول القضايا المائية وسبل الحفاظ على هذه المادة الحيوية لفائدة الأجيال المقبلة.
وصادق المنتدى، على “إعلان وزاري” أطلق “نداء مستعجلا للقيام بعمل حاسم” وإرساء تعاون دولي أكبر من أجل بلوغ هدف الولوج الكوني للماء وخدمات الصرف الصحي الأساسية الوارد ضمن أهداف أجندة 2030 للتنمية المستدامة للأمم المتحدة.
كما تميزت هذه التظاهرة الدولية بالمشاركة الهامة للمغرب في مختلف فقراتها سواء على المستوى الوزاري أو البرلماني أو القضائي، وكذا على مستوى الخبراء، فضلا عن المعرض العالمي للماء، الذي شاركت فيه المملكة للمرة الأولى من خلال رواق خصص لابراز التجربة المغربية في مجال الماء والسياسات المائية.
وتم خلال هذا المنتدى، الذي نظمه المجلس العالمي للماء والسلطات البرازيلية، تسليم جائزة الحسن الثاني العالمية الكبرى للماء في نسختها السادسة لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية في شخص أمينها العام، أنخيل غوريا.