أخبارالمواد المعدلة جينيا.. فرصة لتحقيق الأمن الغذائي في انتظار حسم العلم بشأن تأثيرها على الصحة العامة

أخبار

21 فبراير

المواد المعدلة جينيا.. فرصة لتحقيق الأمن الغذائي في انتظار حسم العلم بشأن تأثيرها على الصحة العامة

الرباط – يتيح التقدم التكنولوجي المتسارع إمكانيات هائلة لتطوير طرق الإنتاج الزراعي، التي تمكن من سد حاجيات جزء كبير من ساكنة العالم، غير أنه يطرح في المقابل إشكاليات ترتبط بمدى تأثير هذا التطور على استدامة الموارد، وأيضا على الصحة العامة.

وتدخل المنتجات المعدلة جينيا، ضمن ثورة تكنولوجية شملت ميدان الزراعة، خلال العقود الأخيرة، ساهمت بشكل كبير في الحد من أزمات الأمن الغذائي، كما مكنت من تطوير الإنتاج في العديد من البلدان التي جعلت من هذه التقنية وسيلة لتأمين حاجياتها في مجال الزراعة الغذائية.

وتعرف المواد المعدلة جينيا بكونها مواد غذائية أدخلت جينات غريبة، سواء من حيوان أو نبات آخر، على تسلسلها الجيني الطبيعي، من خلال تغيير تسلسل مادتها الوراثية، وذلك باستخدام تقنية “التكنولوجيا الحيوية الحديثة” أو “التكنولوجيا الجينية”.

وتتيح هذه التكنولوجيا عددا من المزايا الغذائية والاقتصادية، إذ تساهم على الخصوص في جعل المحاصيل الزراعية أكثر مقاومة للحشرات والفيروسات، ورفع قدرة النباتات على تحمل المبيدات الحشرية، وتحسين شكل الأطعمة، فضلا عن تقليص مدة وكلفة إنتاج عدد من المحاصيل الزراعية.

كما تمكن هذه التكنولوجيا من الزراعة في فترات الجفاف، حيث تستهلك الزراعات أزيد من 70 بالمائة من كميات المياه المستهلكة عبر العالم، غير أن 20 بالمائة من المياه المستخدمة في الزراعات عبر العالم غير متجددة، وهنا تضطلع المنتجات المعدلة جينيا بدور هام، إذ تمكن من اقتصاد كمية المياه المخصصة لسقي المزروعات، ومقاومة دورات الجفاف التي تشهدها العديد من مناطق العالم في ظل التغيرات المناخية، وتمكن بالتالي من تقديم حلول بديلة لمشاكل الأمن الغذائي العالمي. كما تمكن هذه المنتجات من تعديل المكونات الغذائية للنباتات حسب الحاجيات الغذائية.

وفضلا عن ذلك تسمح تقنية التعديل الوراثي للمزروعات برفع كمية المحاصيل بشكل مهم، إذ تشير معطيات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة إلى أنه يتعين توفير الغذاء لنحو تسعة مليارات نسمة بحلول العام 2050، مما يحتم الرفع من الإنتاج، غير أن المساحات المزروعة تظل محدودة، ومن ثم ضرورة الرفع من إنتاجيتها لضمان تحقيق هذا الهدف.

وعلى الرغم من المزايا الهائلة التي تتيحها المواد المعدلة جينيا، من حيث رفع سرعة الإنتاج ومردوديته وتحسين جودة المنتجات، إلا أنها تواجه على الدوام انتقادات من قبل مناصري الأغذية الطبيعية التي لم تخضع لأي تعديل كيفما كان نوعه، إذ يعتبرون أن التدخل في تعديل “الحمض النووي” للأغذية من شأنه الإخلال بالتوازن البيئي.

وبالمغرب، تشير مذكرة لوزارة الفلاحة والصيد البحري إلى أنه “يمنع الاستهلاك البشري للأغذية المعدلة وراثيا بالمملكة المغربية”، وذلك على إثر دراسة أنجزها باحثون فرنسيون، تشير إلى “خطورة استهلاك بعض أنواع الذرة المعدلة جينيا والتي يتم العمل على التأكد من نتائجها على مستوى بلدان الاتحاد الأوربي”، وبالتالي تم “منع الاستهلاك البشري للأغذية المعدلة وراثيا بالمملكة المغربية كإجراء احترازي. ولا يتم السماح لدخول هذه المواد ضمن المواد المستوردة الموجهة للاستهلاك البشري ولا يسجل أي حضور لها على مستوى الإنتاج الوطني ولا على مستوى كل المدخلات المستعملة في الزراعات بالمغرب (البذور،…)”.

وعلى الرغم من كون الممارسات والقوانين على مستوى عدد من المناطق عبر العالم، تسمح بحضور المواد المعدلة جينيا في عدد من الأغذية الموجهة للاستهلاك الحيواني، فإن الاحتياط يظل مبدأ أساسيا في التعامل مع هذه المنتجات.

وفي هذا الصدد، يعتبر الأستاذ والباحث بمعهد الحسن الثاني للزراعة والبيطرة، نجيب أقصبي، أنه في غياب تأكيد علمي لصحة الفرضيات المتعلقة بمخاطر هذه المواد، فإنه يتعين على السلطات اتخاذ احتياطات كبيرة من أجل الحفاظ على الصحة العامة للمواطنين، من خلال المنع الكلي لدخول أي منتجات يتم تعديلها وراثيا.

واعتبر الباحث في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء أنه “طالما أن العلم لم يقل بعد كلمته الأخيرة بشأن المواد المعدلة جينيا، وطالما أن البحث لم يظهر بعد أن هذه المواد غير مضرة بالصحة، فإنه يتعين تبني مبدأ الاحتياط”، مشددا على ضرورة توخي المستوردين الحذر بشأن المواد المستقدمة من الخارج، والبحث عن أسواق تقدم منتجات بديلة لا تدخل المواد المعدلة جينيا في صناعتها أو مكوناتها، سواء بالنسبة للتغذية البشرية أو الأعلاف الحيوانية.

كما أكد السيد نجيب أقصبي على ضرورة فتح نقاش ورفع الوعي بشأن هذه المواد المعدلة جينيا، وتسليط الضوء على الممارسات والتشريعات المطبقة في هذا المجال، بغية تمكين المغاربة من التعرف على المنتجات التي يستهلكونها، وتمكينهم من توخي الحذر بشأن المواد التي يوجد بشأنها نقاش عالمي، وبالتالي حمايتهم من أي مخاطر يمكن أن يشكلها استهلاك هذه المنتجات.

وتبقى المواد المعدلة جينيا، مجالا واسعا لتعميق النقاش بشأن تقنيات تكنولوجيات حديثة هدفها تطوير الإنتاج الزراعي والحيواني، غير أن التخوف العالمي من مدى تأثيرها على صحة البشر يجعل من الضروري اتخاذ الحيطة والحذر بشأن الانعكاسات المحتملة.

(بقلم: بشرى أزور)

اقرأ أيضا