شجرة الأركان ..رمز الثروة الغابوية باقليم الصويرة وأدوار متعددة في المحافظة على المجال البيئي
إعداد .. سمير لطفي
الصويرة – تشكل شجرة الأركان، التي تعد أحد مكونات المجال الغابوي بالمغرب، رمزا للثروة الغابوية بإقليم الصويرة وذات قيمة مضافة، حيث تضطلع بأدوار مهمة في المحافظة على المجال البيئي بفضل مقاومتها لآثار الجفاف والتغيرات المناخية.
فبنسبة تغطية غابوية تصل إلى 43 في المائة، أصبح إقليم الصويرة من بين المناطق التي تعرف كثافة من ناحية الأشجار المغروسة على المستوى الوطني، مع تغطية غابوية متنوعة يطغى عليها شجر الأركان، والذي يغطي لوحده حوالي 136 ألف و 430 هكتارا، وهو ما يمثل 20 في المائة من المساحة الإجمالية المغطاة بالأركان على الصعيد الوطني والمقدرة ب 830 ألف هكتارا (7 في المائة من المساحة الغابوية بالمملكة).
وبالإضافة إلى فوائدها وأهميتها الاقتصادية، تلعب سلسلة شجر الأركان، المتواجدة على امتداد الشريط الساحلي من شمال الصويرة إلى جنوب سيدي إفني لتمتد برا إلى غاية منطقة تارودانت، دورا مهما في حماية التربة وتحسين المجال النباتي، مما يدفع الساكنة القروية بهذه المنطقة إلى الارتباط الوثيق بهذه الشجرة، التي من شأن اندثارها المساهمة لا محالة في ارتفاع نسبة التصحر بشكل كبير بالمنطقة.
ويتميز شجر الأركان بمميزات ايكولوجية مهمة تتمثل، على الخصوص، في قدرة هذه الشجرة على التكيف مع مختلف أنواع التربة، ماعدا الأماكن الرملية، مما يفسر عدم تواجدها في التلال الرملية المحيطة بمدينة الصويرة.
كما تكمن أهمية الأركان في كون هذه الشجرة تم تصنيفها سنة 1998 ، من قبل منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، ك”محمية المحيط الحيوي للأركان”، وإدراجها في نونبر 2014 ضمن القائمة التي تمثل التراث الثقافي اللامادي للإنسانية.
ووعيا منه بالمكانة القيمة لهذا التراث الأخضر، انخرط المغرب بشكل مبكر في المحافظة على هذه الشجرة الفريدة من نوعها وتثمينها، من خلال القيام، وبتعليمات ملكية سامية، بإحداث الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان (11 نونبر 2009)، والتابعة لوزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات.
وبفضل هذه المقاربة المندمجة والإرادية، التي ترتكز على ثلاث دعامات إستراتيجية مهمة لرفع التحديات المتعلقة بتأهيل العنصر البشري وتثمين الموارد الاقتصادية وحماية البيئة، تسعى الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان، على الخصوص، إلى تهييئ الظروف المواتية للتنمية البشرية وتعبئة الموارد المائية، بالإضافة إلى عقلنة أنظمة التدبير للوقاية من المخاطر وأثر التغيرات المناخية.
وفي هذا السياق، أكد المدير الإقليمي للمياه والغابات بالصويرة السيد عبد العالي أوموهاب، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن معدل كثافة شجر الأركان بإقليم الصويرة يتراوح مابين 50 و300 شجرة في الهكتار الواحد، حيث يبلغ عددها بالمنطقة حوالي 20 مليون و500 ألف شجرة، مما يوفر مليون و470 ألف يوم عمل فقط بالنسبة لعملية استخراج زيت أركان، فضلا عن كون هذه الشجرة تشكل دعامة غذائية دائمة لأزيد من 250 ألف رأس من الماشية.
وفي ما يتعلق بالإنتاج، يضيف المتحدث، فإن شجرة الأركان توفر تمارا متنوعة يصل معدل كل شجرة إلى 15 كلغ، وبكثافة تبلغ 30 شجرة مثمرة في الهكتار الواحد، في حين أن الإنتاج قد يصل إلى 450 كلغ للهكتار الواحد من التمار .
وأوضح أن شجر الأركان حظي دوما باهتمام كبير من لدن الساكنة المحلية ويشكل مصدرا لعلف الحيوانات الرعوية، فيما تلقى المنتجات المستخرجة من تمار هذه الشجرة اقبالا كبيرا، وخاصة زيت الأركان، التي فاق إشعاها الحدود الوطنية، والتي تستعمل لأغراض علاجية وفي مستحضرات التجميل.
وأشار، من جهة أخرى، إلى أنه من بين العوامل التي أدت إلى تقلص مساحة الأركان، الأنشطة المتعددة واليومية للساكنة على حساب فضاءات الأركان، منها الرعي الجائر، وعملية الحرث، معربا لهذه الممارسات التي تنضاف إليها الظروف المناخية غير المواتية ( طول مدة الجفاف)، والتي كان لها أثر سلبي، نجم عنه تقلص المساحة الغابوية للأركان.
وفي سياق متصل، أفاد تشخيص للوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان، أنه رغم أهمية رقم المعاملات المحقق على مستوى الصادرات وكذا تطور القيمة المضافة، إلا أن هناك معيقات تحول دون تحقيق استفادة عادلة بين مكونات السلسلة، خصوصا بين سافلة السلسلة وعاليتها، من ضمنها نقص في تحويل المادة الأولية على المستوى المحلي، وأن 80 في المائة من الإنتاج يتم تسويقه بدون تلفيف مما يِؤدي إلى ضعف الاستفادة من القيمة المضافة، إلى جانب تعدد الوسطاء في سوق بيع تمار وزيت الأركان (ما يقارب 60 في المائة من حصة السوق) مما أدى إلى جعل ذوي الحقوق الحلقة الضعيفة في السلسلة، وكذا ضعف التنظيمات المهنية الحالية، والعشوائية المسجلة على مستوى جمع وتجميع المادة الأولية، وغياب قطاع خاص مستثمر وداعم ومكمل لعمل التعاونيات في تثمين زيت الأركان، وكثرة المتدخلين في سلسلة الأركان.
ولمواجهة هذه الوضعية، أشرف الشركاء الأساسيون المكلفون بتنمية والمحافظة على شجر الأركان، وهم المندوبية الإقليمية للمياه والغابات ومحاربة التصحر، والوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان، والمديرية الإقليمية للفلاحة، بشراكة مع المهنيين، على عدة أنشطة مهمة على المستوى الوطني كما هو الشأن على المستوى الإقليمي.
ومن بين الأهداف المحددة في أفق 2020، في إطار عقد برنامج تأهيل منظومة الأركان، الموقع يوم 4 أكتوبر 2013، أمام أنظار صاحب الجلالة الملك محمد السادس، إعادة تأهيل 200000 هكتار عن طريق الغرس والتكتيف، وإحداث مزارع عصرية للأركان، والرفع من إنتاج زيت الأركان سنويا من 4000 طن إلى 10000 طن في أفق 2020، ووضع مشاريع عصرية لتثمين وإنعاش منتوج الأركان في إطار مشاريع الدعامة الأولى والثانية لمخطط المغرب الأخضر، وحماية خصوصيات “علامة المغرب” لشجر الأركان ومختلف منتجاته ومشتقاته في السوق الدولية، وتشجيع البحث العلمي المتعلق بهذه الشجرة.
أما أنشطة المديرية الإقليمية للفلاحة، فتندرج في إطار مشاريع الدعامة الثانية لمخطط المغرب الأخضر، والتي تهم على الخصوص دعم الحكامة الجيدة لتعاونيات الأركان على مستوى 27 جماعة قروية، بغلاف مالي اجمالي يبلغ 19 مليون درهم وتستفيد منها حوالي 2000 امرأة.
ويروم هذا المشروع، خلق مناصب شغل قارة، وتثمين زيت الأركان ومشتقاته، وتأهيل التعاونيات التي تعمل في هذه المنظومة البيئية.
أما بالنسبة لانتاج زيت الأركان، فإن الاحصائيات الصادرة عن المديرية الإقليمية للفلاحة، فتفيد بتواجد أزيد من 60 تعاونية نسوية لاستخراج وتسويق زيت الأركان، وتشغل ما يقارب عن 2000 امرأة قروية على مستوى الإقليم، فيما يقدر معدل الانتاج ب2000 طن سنويا، وذلك حسب الموسم الفلاحي وحسب الظروف المناخية.
ولجعل هذه التعاونيات أكثر فعالية ونجاعة، فقد تم، حسب المديرية الإقليمية للفلاحة، خلال الفترة مابين 2011 و 2016، تجهيز هذه التعاونيات بآليات استخراج وتسويق زيت الأركان، وتأهيل مقر التعاونيات، والمواكبة التقنية وتكوين اليد العاملة المنتجة، وتوفير مواد التلفيف، بالإضافة إلى قرب إحداث ” دار أركان” لفائدة المجموعة ذات النفع الاقتصادي ( جي فيتاركان).
ويمكن القول إن سلسلة الأركان ما فتئت تحظى باهتمام كبير والتزام حقيقي من قبل عدة متدخلين، في إطار مقاربة شاملة ومندمجة تهدف إلى الرقي وتثمين والمحافظة على تراث الأركان، مما من شأنه ضمان مستقبل واعد والرفع من مستوى مساهمة سلسلة شجرة الأركان في الاقتصاد الوطني، وتثمين حضور منتجات الأركان المغربية بالأسواق الدولية.